الهديل

خدمة العدوّ

بالنظام

كتب زياد شبيب في جريدة النهار:

قبل نشوء دولة الاحتلال على أرض #فلسطين ونكبة 1948، كان #المسيحيون يجحون من لبنان والمنطقة إلى الأراضي المقدسة بشكل طبيعي، وبعد ذلك بقي الوصول إلى القدس ممكناً للحجاج عن طريق الأردن الذي كان يحتفظ بالسيادة على القدس الشرقية والضفة الغربية. أما بعد حرب الأيام الستة التي اندلعت في 5 حزيران 1967 وانتهت الى وقوع ما تبقّى من فلسطين تحت الاحتلال، فأصبح محظّراً على الحجاج ممارسة حقهم في زيارة الاماكن المقدسة اذا كانوا من مواطني الدول العربية التي ما تزال في حالة حرب مع دولة الاحتلال، ومن بينها لبنان.

وطأة الحرمان كبيرة على المسيحيين المشرقيين لأن القدس قبلتهم الوحيدة. ولن تغنيهم عنها أية محجّات مستحدثة سواء الى ايطاليا او اليونان او اي مكان آخر مهما ازدهرت فيه الحياة الروحية. وهذا رغم محاولات كثيرين عن حسن نية، التخفيف من أهمية الحج الى فلسطين، بالقول بأن الحج في المسيحية ليس فريضة، أو بأن اورشليم العُلْويّة، اي الفردوس، هي ما يجب أن تتوق اليه نفس المؤمن، وهو بالتالي في غنى عن التماس تلك الامكنة التي شهدت العمل الخلاصي.

رغم ذلك، ورغم مرور اكثر من خمسين عاماً على الاحتلال، لم تنقطع العلاقة الروحية بين المؤمنين والاماكن المقدسة. لذلك وحتى زوال الاحتلال، من الواجب مطالبة الامم المتحدة بأن تضع يدها على الاماكن المقدسة في فلسطين عملاً بقواعد القانون الدولي، الى حين تنفيذ قرارات مجلس الامن الداعية الى الانسحاب منها، وأن تؤمّن حق المؤمنين بالحج، كأحد حقوق الانسان التي تضمنها الشرائع الدولية، وتوفر لهم سبل الوصول من خلال ممرات إنسانية أممية تحت حمايتها.

بالأمس تمت ملاحقة مطران الموارنة على الأراضي المقدسة، وقال مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية لـ”النهار”: “أحترم الكنيسة، ولكن هناك قانون هو قانون مقاطعة إسرائيل ومن واجبي بصفتي قاضٍ أن أطبّقه”.

قانون العقوبات يجرّم دخول أرض العدو أو دخول أرض يحتلها العدو، إذا حصل ذلك من دون موافقة الحكومة (المادة 285)، أي أن موافقة الحكومة تنزع عن الفعل الصفة الجرمية. واستناداً إلى هذا النص يُسمح بدخول رجال الدين الذين يشمل نطاق رعايتهم الأراضي المحتلة.
أضِف إلى ذلك أنه في المادة 9 من الدستور، الدولة “تكفل حرية اقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على ان لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام”. وعلى الدولة أن تقيم التوازن بين السماح بدخول الأرض المحتلة لرجال الدين مع الالتزام بعدم خرق القوانين اللبنانية.

لكن الحديث عن قانون مقاطعة إسرائيل يعيد للأذهان صُوَر عاموس هوكشتاين وسيط الخير الأميركي الذي يحمل جنسية دولة الاحتلال وخدم في جيشها، لدى استقباله من المسؤولين اللبنانيين، رغم أن قانون مقاطعة إسرائيل المذكور ينص على أن كل من يجري أي تعامل مهما كانت طبيعته مع شخص يحمل جنسية إسرائيل، يرتكب جرماً جزائياً يعاقب عليه القانون. وهذا التفاوت في المعايير يعزز الشكوك التي أثيرت حول ملاحقة المطران.

إذا كانت الجماعة الحاكمة صادقة فعلاً في موقفها تجاه فلسطين المحتلة، فهي مدعوة إلى عدم مساعدة العدو على تهويدها بشكل نهائي وإخضاع الجميع للأمر الواقع الذي يفرضه على الأرض، وهي بالتالي مدعوة إلى تقوية الرابط الروحي بين مسيحيي لبنان والأراضي المقدسة، وعدم السماح لدولة الاحتلال بأن تصبح هي المستفيدة من هذا الانقطاع. وبدلاً من ملاحقة المطران كان من الأجدى أن تبلغ الدولة الكنيسة بما هو مسموح أو ممنوع في أعمال الرعاية، أما الملاحقة كما حصلت فتعزز الانقطاع ولا تخدم إلا العدو.

 

Exit mobile version