خاص الهديل
قضية المطران موسى الحاج تفتح الستارة على مشهد اخر هو ابعد من إثارة قضيته قضائيا، ذلك ان تبادل المواقف بخصوص هذه القضية كما يتم حاليا، انما يعبر عن المدى الخطير ” جدا جدا” الذي وصل إليه الانقسام اللبناني..
المطلوب من أجل لبنان ومن اجل فلسطين ، إعادة ترشيد ما يحدث من فوضى في التعاطي مع ما بات يعرف بموضوع المطران الحاج..
فمن ناحية أولى لا أحد في لبنان يشك بأن إسرائيل تشكل خطرا محدقا ووجوديا على لبنان..
ومن ناحية ثانية ربما كان الفاتيكان – وقبله ومعه نخب لبنانية مسيحية – ، هم من أول من لفت النظر، بشكل مباشر و غير مباشر إلى أن ” فكرة قيام لبنان” هي على نقيض جذري مع الفكرة التي قامت عليها ” دولة إسرائيل “: فالأخيرة قامت على التفرقة العنصرية وإلغاء قومية لمصلحة قومية، بينما لبنان قام على فكرة انه رسالة تعايش بين ثقافات و طوائف واديان، كما يصفه ميثاقه، وكما وصفه بابا روما.
وعليه، فإن تناقض لبنان مع إسرائيل،، ليس بحاجة لوسائل ايضاح، خاصة بالنسبة لبكركي التي هي على ” دين الفاتيكان” الذي قال ان لبنان رسالة تعايش، والتي هي ايضا ” على السمع مع ميشال شيحا” وغيره من المفكرين اللبنانيين المسيحيين الذين لفتوا إلى ان نموذج لبنان الداعي للتعايش بين الأديان، هو أكبر خطر على نموذج إسرائيل الداعي إلى الدولة العنصرية اليهودية ..
.. وكل ما تقدم يقول امرا اساسيا ؛ وهو أنه من حيث المبدأ فإن ما يحدث على خلفية المطران الحاج هو بمثابة نهر خرج عن مساره نتيجة فوضى التعاطي مع هذا الموضوع ونتيجة منسوب التسييس العالي الذي دخل عليه من كل حدب وصوب..
. وعليه ، فان كل المطلوب هو إعادة جريان النهر إلى مجراه الطبيعي، ذلك أن ما يحصل ليس خلافا بين وجهتي نظر، بل مرة أخرى هو نوع من حصول فوضى تعاطي مع موضوع حله موجود وعلاجه متوفر ..
يبقى ان المطلوب هو وقف فوضى التعاطي مع هذا الملف ، فبكركي تعرف كيف تعيد جريان النهر إلى مجراه حول الأبعاد التي تم إدخالها على هذا الملف، والقضاء يعرف كيف يضع الملف في إطاره القانوني الصرف وكيف يمتنع عن الكلام الا تحت القوس. .
اما أن يتم ترك هذا الملف يتفاعل بعبثية ومن دون احساس بالمسؤولية الوطنية، فهذا يعني إعطاء صورة عن لبنان تقول ان ما يعانيه بلد الارز، هو أكبر من مجرد ازمة اقتصادية ، وأكبر من فساد ومنظومة مفسدين، بل ما يحدث هو انقسام وطني حاد ، واتجاه بسرعة قطار تعطلت كوابحه للانتحار الوطني.
وبكلام اوضح ، فإن المشهد الحالي يقول ان لبنان منقسم ليس فقط حول عروبته وحول نظامه السياسي، بل ايضا حول تحديد من هو العدو (؟؟) ، وحائر بين ” الغرب وإسرائيل” وبين ” الشرق وإيران “، وأن القضية ليست ” مطران” او “شيخ” بل ” قلوب مليانة” سببها حصول افتراق لبناني عامودي، لم يعد هناك مجال لترميمه. .
لا أحد في لبنان، يريد وضع البلد داخل هذه الصورة ، كون هذه الصورة عير حقيقية، وهي تعبر عن قشور فوضى السجال اللبناني الذي بات بحاجة لضبط ..
.. والواقع أن هذه الطفرة من الخطايا الحاصلة اليوم ، المسؤول عنها هو ” فوضى النقاش وإبداء المواقف ” الحاصل حاليا حول موضوع المطران الحاج .
يجب أن يتذكر كل المقيمين على ضفتي ” فوضى النقاش الراهن ” ان اعطاء صورة عن وجود انقسام وطني عامودي داخل لبنان ، سوف يعني أمرا واحدا وهو عدم أهلية البلد لإعادة ترميمه، وسوف يعني أيضا ان لبنان ليس فقط ” منزل ببيوت كثيرة” كما قال عنه كمال صليبا، بل هو “مزرعة بإبعاد مختلفة” ، و” بحصص متضاربة” و” باسهم خارجية مختلفة” .. وهو يعني أيضا وايضا ” أن لبنان لم يعد وطن الرسالة لأجل معناه ” ، بل أصبح ” قضية للايجار”.. .
مطلوب أن تتوقف حالة فوضى النقاش بملف المطران الحاج.. . والمطلوب إعادة جريان النهر إلى مجراه، لأن استمرار تدفق النهر خارج مجراه يعني الخراب والدمار ..
يجب التنبه إلى أن ما يحصل فيما لو ترك على عبثيته سيقود للحظة اندفاع سيول النهر لتخرب الشيئ القليل المتبقي من أهلية لبنان الذي يمكن البناء عليه من جديد ..