خاص الهديل
.. دائما يغري المشهد العراقي، المراقب كي يقارن بينه وبين ما سيحدث في لبنان ، ذلك أن الفكرة القائلة ان توازنات بلد الأرز تشبه لحد بعيد – ولو على نحو مصغر – توازنات بلاد الرافدين، هي فكرة قديمة، وكان مكتشفها الأول هو موريس الجميل الذي قال في خمسينات القرن الماضي ما معناه : ” اذا اردت ان تعرف ماذا سيحدث في لبنان، فتمعن بماذا يحدث في العراق”!!.
امس اقتحم مقتدى الصدر البرلمان عبر موجة بشرية من مؤيديه الذين حملوا رسالة واضحة للاطار التنسيقي الشيعي العراقي المتحالف مع ايران، ولكل الواقع السياسي العراقي ، تقول بوضوح ان التيار الصدري بعد انسحابه من البرلمان، لأن اكتشف ان فوزه في الانتخابات النيابية لم يجسد إرادة تغيير مسار الحكم في العراق، فهو عاد ليمارس فعله السياسي من خلال قواعده الشعبية التي لها “وزن الثلث المعطل” الذي يمنع تشكيل حكومات المحاصصة التي تسمي نفسها بالحكومات التوافقية او الوحدة الوطنية، الخ..
وجاءت خطوة مقتدى الصدر بعد ان رشح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني ليكون رئيسا للحكومة ، وقال عنه انه شخصية مستقلة ، ولكن الصدريين قالوا ان شياع فيما لو تولى رئاسة الحكومة، لن يكون إلا واجهة تحكم من خلاله الاحزاب، بزعامة الإطار التنسيقي الباحث عن تجديد صيغ المحاصصة ..
ويبقى هنا ملاحظة لا يمكن المرور عنها، وهي أن الجمهور الصدري دخل امس البرلمان في مسيرة شعبية صاخبة، وذلك في وقت لم يكن فيه رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في بغداد ، نظرا لارتباطه بموعد في الرمادي. وقد شكك جماعة الإطار التنسيقي بالهدف الذي دفع الكاظمي كي يواصل اجتماعه في الرمادي، وكأن شيئا لم يحدث في بغداد؛ رغم أن اقتحام التيار الصدري للبرلمان هو حدث سياسي وامني كبير جدا، و كان يستوجب من الكاظمي ان يقطع زيارته للرمادي، ويعود على وجه السرعة للعاصمة.
ولقد تعددت تعليقات المحللين العراقيين على معنى خطوة مقتدى الصدر باقتحام البرلمان، وذلك قبل نحو ثلاثة أيام من موعد انتخاب رئيس جمهورية جديد في البرلمان، ومن موعد طرح اسم السوداني كرئيس مكلف بتشكيل الحكومة.
..لكن التعليق الأبرز، تحدث عن أن الصدر يأخذ العراق إلى نموذج سيرلانكا؛ اي الاطاحة برئيس حكومة، ولكن قبل تكليفه ، وفرض تغيير مسار الحكم عبر الشارع ، وجعل البلد يذهب لانتخابات مبكرة، ولكن هذه المرة ضمن ميزان قوى لصالح نبض الشارع الجديد والتغييري.
وداخل هذا السيناريو يوجد دور خفي للكاظمي الذي فضل ان يجري حدث اقتحام الصدر للبرلمان امس، وهو موجود خارج العاصمة ، ثم عاد إليها، وعادت قواته الأمنية الرسمية للانتشار في البرلمان، بعدما وجه الصدر أمرا لمناصريه بالخروج ” سالمين” من مجلس النواب، والعودة إلى منازلهم.
وكون الحدث العراقي يغري المراقب على ربط أحداثه بما قد يحصل في لبنان ، فإن اللافت هنا عدة أمور:
أولها أنه بمقابل ان العراق ضج امس بصورة ما حدث في مجلس النواب ( اقتحام الصدريين) ، فان أبرز صورة شهدها لبنان وضج بها اللبنانيون خلال الأيام الأخيرة، كانت صورة الهرج والمرج الذي شهده مجلس النواب. فمجلسا النواب في بغداد وبيروت ، كانا هذا الاسبوع حلبة الحدث والصراع الصاخب، بين المعارضة من ناحية والسلطة من ناحية ثانية.. اي بين من يسمون أنفسهم بالتغيريين و يقولون انهم مع تغيير المسار ، وبين احزاب السلطة والذين يرون انه يمكن تصحيح المسار بنفس العدة السياسبة.
.. طبعا حدث اقتحام الصدر لمجلس النواب في العراق، هو أكبر بكثير من الحدث الذي شهده البرلمان اللبناني المتمثل بتسجيل حالة اعتراض النواب الجدد الصاخبة على مسار حكم البلد داخل المجلس، ولكن ما يحتاج الى تدقيق هنا، هو هل يساوي، بحسب وجهة نظر مراقبين، حدث اقتحام مقتدى الصدر للمجلس ، الذي وصفه الاطار بانه غير ديموقراطي وعنفي، حدث ” اقتحام ” السفيرة الاميركية جلسة مجلس النواب اللبناني الاخيرة، الذي وصفه اعلام حزب الله بان حضورها الجلسة التي شهدت الهرج والمرج بين النواب الجدد ونواب السلطة، لم يكن روتينيا بل مخططا له وذا غايات!!
الأمر الثاني اللافت بين ما حدث في بغداد وما يمكن أن يحدث في لبنان ، هو أن مقتدى الصدر هناك يسير وراء هدف منع تشكيل حكومة توافقيه، فيما الإطار التنسيقي يسير وراء هدف تشكيل حكومة توافقية. وهنا في لبنان يقع الخلاف بين حزب الله ومعارضيه على نفس هذه النقطة : فهو يصر على تشكيل حكومة توافقيه، بينما معارضيه يسمونها حكومة محاصصة، ويريدون في لبنان كما يريد الصدر في العراق، حكومة أغلبية سياسية.
الأمر الثالث اللافت في العراق وغير الواضح في لبنان ، هو حالة مقتدى الصدر التي تشكل “بيضة قبان التوازن” مع الحشد الشعبي الحليف لطهران في العراق؛ بينما في لبنان لا يوجد نظير للحالة الصدرية، وحتى لو حاول سمير جعجع لفترة تقديم نفسه على أنه هو حالة التوازن .
وايضا ضمن هذا السياق، فإن الأمر الآخر اللافت في العراق، وغير الواضح في لبنان، هو حالة الكاظمي الذي يمثل شخصية تجمع داخل لعيتها العنصر السياسي والعنصر الاقليمي والعنصر الدولي وايضا العنصر الامني : فالكاظمي هو ” رئيس حكومة تصريف الأعمال” ، وهو ” دولة تدوير الزوايا الإقليمية الخاصة بتسهيل الحل الخارجي ” ، وايضا ، هو ” قائد القوى الأمنية التي تغض الطرف عن المواجهة الشعبية المفتوحة من قبل مقتدى الصدر للاطار التنسيقي و لفكرة تشكيل حكومة توافقية”!!.
الواقع انه رغم الإغراء الدائم الذي يتحدث عن ضرورة مراقبة ما يحدث في العراق حتى نعرف ماذا سيحدث في لبنان، إلا أنه يبقى هناك معنى لبناني ناقص، وبحاجة لاستكشاف، وذلك داخل لعبة البحث عن كل كنه سر المشهد العراقي الحالي.