خاص الهديل
لا شك أن ما يجري في العراق يشكل تطورا هاما سيكون له انعكاساته داخل العراق وفي كل الإقليم.
و الواقع ان العراق بحد ذاته، هو حاليا عبارة عن ثلاثة نماذج، كل واحد منها له معناه العميق داخل العراق وخارج العراق.
النموذج الأول هو مقتدى الصدر الذي يمثل حالة بعدة اتجاهات هامة جدا وخطرة جدا في ان؛ احد هذه الاتجاهات يتعلق بأنه يمثل حركة “اعتراض شيعية” تمتاز بأنها موجودة في العراق الذي يعد أكبر دولة تضم ديموغرافيا شيعية في العالم العربي، وتمتاز أيضا في انها تقدم نفسها او يقدمها الآخرون على انها اكبر حالة “شيعية عراقية عربية” تواجه أكبر حالة شيعية عراقية منخرطة في محور ايران الإقليمي..
والواقع أن الصدام الشيعي- الشيعي العراقي على خلفية عربي – فارسي، هو تطور خطر، كونه يهدد بنشوب حريق كبير داخل الديموغرافيا العربية ؛ ويظل هذه الخطر قائما على الرغم من أن البعض من العرب ينظرون إليه من زاوية ثانية، وتحديدا من زاوية انه تطور هام كونه يقدم فرصة اجابة عملية على جانب أساسي من السؤال الإقليمي المطروح في مفاوضات فيينا وفي تفاوض العرب مع واشنطن، بخصوص كيفية تقليم اضافر النفوذ الايراني، في الدول العربية.
والواقع ان مقتدى الصدر داخل العراق هو حالة شيعية عريقة تنتمي لأحد اهم البيتوتات الدينية الشيعية النجفية. فوالده السيد محمد محمد صادق الصدر كان مرجعا دينيا محترما ، وقد اعدمه صدام حسين نظرا لكونه رفض مهادنته؛ وكان السيد محمد محمد صادق الصدر سمى حينها رجال الدين الشيعة الذين هادنوا صدام ” بالمرجعيات النائمة” وأطلق على نفسه تسمية ” المرجعية القائمة”.
ويمثل التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر ، الأغلبية الشيعية في العراق ( ٧٢ نائبا) ، وبمقابله تيار الإطار التنسيقي الذي يمثل شيعة العراق المؤيدين لإيران ، ومنهم الحشد الشعبي ونور المالكي ( حزب الدعوة) ، وهؤلاء لا يبلغ حجمهم مجتمعين نصف القاعدة الشعبية الشيعية الصدرية، ولكنهم منظمون ويملكون نفوذا عسكريا وسياسيا كبيرا، وهم قادرون على اخذ المواجهة مع الصدر إلى صدام عسكري و” منازلة شارع بمقابل شارع” ..
وأهمية نموذج مقتدى الصدر انه يقدم نفسه على انه وطني عراقي؛ وهو لا يقول انه ضد إيران، ولكنه يقول انه ضد التبعية لها وضد حلفائها العراقيين الذين يستقوون بها ضد الدولة العراقية .. وهو لا يقول انه مع السعودية، ولكنه يعلن انه ضد معاداتها واستهداف علاقة العراق بها.
هناك ملاحظات سلبية كثيرة على مقتدى الصدر، وبنفس الوقت هناك مزايا عديدة لصالحه؛ وهذا يجعله شخصية محل جدل حولها، ومحل نقاش حول ما تريده بالعمق!!…
.. ولكن ما يبدو واضحا على السطح حتى الأن، هو أن الصدر يقاتل بشراسة وجرأة واقدام لحد التهور، صد الفساد المرتكب من قبل الطبقة التي حكمت العراق خلال العقد الاخير، وأبرز هؤلاء بنظر ما يعلنه مقتدى الصدر هو نور المالكي الذي يدعمه الحشد الشعبي المدعوم بدوره من ايران . والواقع أن طرح الصدر هذا ، لديه نقطة قوة ونقطة ضعف : قوته ان المالكي يعد هدفا سهلا لجهة اتهامه بالفساد واتهام حلفائه بتغطية فساده ومجمل عملية الفساد ، اما ضعفه فيكمن في ان الصدر كان جزءا من المنظونة السياسية التي حكمت العراق في العقد الاخير..
“أخطر وأهم ” ما في معركة مقتدى الصدر هو انه يضع لها عنوانا مفاده : ” تفكيك منظومة الفساد الحاكم داخل العراق “، وهو في طريقه هذا يبدي استعدادا للصدام مع “الحشد الشعبي” الفصيل الشيعي الثاني في العراق.. والسؤال المحير هنا هو هل فعلا ان مقتدى الصدر مستعد للمضي في هدفه هذا، ولو كلفه ذلك حربا أهلية شيعية – شيعية ؟؟ .. ام انه يحاول اخذ الحشد الشعبي إلى حافة الحرب ، حتى يأخذ منه أكبر التنازلات؟؟.
وطوال الفترة الماضية حاول الإطار التنسيقي عرض تسويات على مقتدى الصدر من نوع التشارك في حكم البلد وإجراء محاصصة بينهما، ولكن الصدر رفض ذلك بوضوح ، وركز على أنه يريد ان يسير في مشروع إصلاح الوضع، من دون شيعة الاطار التنسيقي، لا بل اوحى انه من شروط نجاح مشروعه، هو أن لا يتشارك في الحكم مع الإطار التنسيقي الشيعي الذي يرفض الصدر أيضا أن يكون سلاحه ( الحشد الشعبي) خارج قرار الدولة، الخ.. .
واللافت هنا هو ان الصدر يفتح الجبهة مع الحشد الشعبي ليس من أجل تحسين شروط الحوار والتفاوض معه ، بل من أجل القول له : السلطة لم تعد تتسع لي ولك ..
النموذج الثاني داخل العراق الان هو نموذج رئيس وزراء تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي.
لا شك ان الكاظمي بات يمثل مشروع التسويات داخل الازمة العراقية ؛ فهو الأقدر على ان يكون رئيس حكومة تسوية بين المتنازعين داخل العراق، وبين الاقليميين المتصارعين على العراق.
ورغم ان الكاظمي حاليا هو رئيس تصريف اعمال، إلا أنه في واقع الحال هو رئيس إدارة مرحلة انتقالية خطرة بين مرحلة فوز الصدر الكاسح في الانتخابات، ومرحلة تكييف الواقع السياسي العراقي مع هذا الواقع الصدري الجديد.
.. وفي حال نجح الكاظمي بمساعدة علاقاته الخارجية وحضوره الداخلي؛ بمهمة منع تطور الخلاف الشيعي – الشيعي إلى صدام عسكري، وقاد حوار تسوية داخلي ناجح، فإنه سيكون مرشحا لدور سياسي أكبر في العراق في المرحلة التالية لمرحلة التوتر الراهنة.
النموذج الثالث هو الحشد الشعبي وشخصية نور المالكي رجل الأعمال المتهم من قبل الصدريين، بالفساد، وبأنه شخصية يعبر بقائها في السياسة من خلال ترشيح نفسها او من يمثلها لرئاسة الحكومة ، عن محاولات تخليد وتأييد الفساد والمحاصصة في إدارة الحكم.
هذا النموذج الشيعي المعروف بالحشد الشعبي الذي كان له انجازاته فترة الحرب العراقية مع داعش، وكانت له اخفاقاته على مستوى إثبات شفافية في الحكم، و المرتبط بالمحور الايراني، يواجه حاليا بفعل تصدي حركة الصدر له، تحديا كبيرا داخل بيئته الشيعية ما يستدعي بنظر الداعمين له، ضرورة إنقاذه سواء كان ذلك حربا او سلما.