(خاص الهديل)
بات هناك نوع من ” التقليد المقدس” الذي مؤداه ان يقوم كل رئيس أميركي خلال ولايته بقتل واغتيال وتصفية احد زعماء القاعدة؛ لقد قتل أوباما مؤسس القاعدة وزعيمها الشيخ أسامة بن لادن، وقتل ترامب شيخ داعش في العراق، واليوم يقتل بايدن خليفة اسامة بن لادن داخل القاعدة الشيخ أيمن الظواهري.
صار معروفا منذ سنوات ان الظواهري ما عاد له نفس الأهمية العملياتية في إدارة أنشطة الخلايا الإرهابية حول العالم، بل تحول الى رمز انتهت صلاحياته الفعلية، وباتت كل أهميته هي أنه يذكر بحقبة بن لادن الافغانية والعالمية و١١ سبتمبر الأميركية والتي امتدت حتى مقتله، والآن ينقطع ” حبل صداها” بقتل الظواهري.
والواقع ان واقعة قتل الظواهري، تؤكد ان قصة انتقام الولايات المتحدة الأميركية من هجوم الحادي عشر من سبتمبر، لم تعد تمثل هدفاً أمنياً ، او هجوماً استباقياً لحماية امن اميركا، بل أصبحت هذه الهجمات الاميركية بعد تفكك القاعدة ، لها حصرا هدفا معنويا، وباتت أشبه بتقليد يتبارى بالالتزام به روؤساء البيت الأبيض الذين بالتتالي يحاولون إثبات فعالية العقاب الأميركي الذي لا ينتهي بفعل تقادم الزمن ولا بانتهاء الحدث ولا تخفف من وطأته المسافات الجغرافية.
وربما لمئة عام مقبل، سوف يظل ” تقليد” تصفية أعضاء كانوا في القاعدة ، هو تراث متبع من قبل روؤساء البيت الابيض المقبلين، بغض النظر عن قضية ما اذا كانت القاعدة مستمرة في نشاطها الإرهابي، ام انها تفككت وما عاد منها إلا تاريخها وسيرتها الماضية.
والواقع انه بعد انقضاء كل هذا الوقت ؛ فإنه بات يمكن القول أن الذاكرة الأميركية تجاه هجوم ١١ سبتمبر الارهابي، لم تعد ذاكرة أمنية أو ذات خلفية استباقية، بل اصبحت ذاكرة تضع المجتمع السياسي الاميركي أمام صورة الإخفاق الذاتي المتعدد الاوجه؛ وأبرز جانب في هذا الإخفاق، هو انعدام احساس العدو بالردع ، أي انعدام احساسه بما سيترتب عليه من نتائج كوارثية جراء قيامه بتجاوز الخطوط الحمر الأمنية الأميركية. وعليه فإن كل الهدف الاميركي من قتل الظواهري ومن قتل رموز في القاعدة الذي سيستمر حتى عقود مقبلة، هو القيام بتذكير العالم، بأن اية دولة او جهة تفكر بتحدي الخطوط الحمر الأمنية الأميركية، عليها أن تعد للمليار قبل أن تفكر بذلك وان تتذكر بان العقاب الأميركي ليس له نهاية زمنية ولا تقف بوجه تنفيذه المسافة الجغرافية او الاتفاقات السياسية وتوازناتها.
وأخطر ما في اسامة بن لادن بنظر واشنطن، ليس انه يملك جيشا جرارا غير مرئي، من الخلايا الارهابية، بل إنه لم يتعظ من رسالة قيام الاميركيبن برمي القنبلة النووية على اليابان، ولم تصل إليه رسالة واشنطن بأن الدمار هو مصير كل من يتجاوز الخط الاحمر الأمني داخل اميركا او خارجها.
ورغم اختلاف الهدفين بين اسامة بن لادن وقاسم سليماني، إلا أن ترامب، – و الدولة الأميركية العميقة التي تقف وراء ترامب – قرر اغتيال سليماني لإثبات أن معادلة الهيبة والعقاب الأميركية ، لا تزال بالف خير؛ تماما كما أن أوباما بالأمس وبايدن اليوم، قتلا بن لادن والظواهري ليقولا للصديق والعدو ان العقاب الأميركي ، حتما، سيأخذ بالثأر، على طريقة العشائر، ولو بعد حين.
ولا يشك اثنان في أميركا وحول العالم، ان بايدن لديه حسابات شخصية وراء اتخاذ قرار تصفية الظواهري، فالاخير لم يعد هدفا امنيا دسما، بمقدار ما صار هدفا معنويا دسما، فمجرد إيراد خبر مقتل الظواهري ، فإن هذا الأمر سيفتح مخيلة الرأي العام الاميركي والعالمي على ربط هذا الحدث بواقعة ١١ سبتمبر. ويستطيع بايدن الرهان على استغلال هذه الصلة بين قتل الظواهري و١١ سبتمبر ، حتى يسلط الضوء على دوره وصورته كبطل، داخل هذه الفسحة من ذاكرة مواطنيه، سيما وأن صورته الراهنة داخل أميركاء، يشوبها الكثير من الظلال القاتمة مما يهدد بخسارة حزبه الانتخابات النصفية التي اقترب موعد حصولها.