كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
يجهد العاملون على ملف ترسيم الحدود لإحاطة المشاورات والمفاوضات الحاصلة بشأنه بجدار من السريّة، لكن هذا الحائط لم يحل حتى الآن دون تسرّب الكثير من التفاصيل والدقائق المتّصلة بالعروض الموضوعة على الطاولة والردود عليها… خصوصاً أنّها غير منفصلة عن المسار التصاعدي – التهديدي الذي فرضه «حزب الله» سواء من خلال تشغيل خطّ المسيّرات البحرية أو من خلال وضع أمينه العام السيد حسن نصر الله مهلاً زمنية… ليكون من بعدها لكل حادث حديث.
إلّا أنّ ذلك، لا يمنع أحد المسؤولين المعنيين بهذا الملف، من إضفاء الكثير من الإيجابية على المفاوضات غير المباشرة التي يقودها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بين لبنان وإسرائيل، إلى حدّ التأكيد أنّ احتمال إنجاز الاتفاق قبل نهاية أيلول، بات سيناريو جدياً للغاية.
وفق المسؤول ذاته، فإنّ هذه التقديرات تستند إلى تقاطع عوامل عدّة تضع الملف أمام مرحلة مفصلية يمكن للبنان أن يستفيد منها إذا أحسن إدارته. ويسرد سلسلة اعتبارات تضفي على التوقيت المذكور، أهمية بالغة، أبرزها:
– حاجة إسرائيل إلى إنجاز الاتفاق لاعتبارات تجارية بعدما استثمرت أكثر من 3 مليارات دولار في حقل كاريش. ولذا فهي تبدي استعجالها لإنهاء الترسيم كي تبدأ عمليات التنقيب والتوريد باتجاه أوروبا التي باتت سوقاً جذّابة للغاز.
– حاجة أوروبا الضاغطة لغاز منطقة الشرق الأوسط لتعويض جزء من الغاز الروسي ولهذا دفعت قدماً باتجاه توقيع اتفاق ثلاثي بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ومصر لتوريد الغاز الإسرائيلي عبر مصر بعد تسييله.
– رغبة الولايات المتحدة في تسجيل «حدفة» على شطرنج لعبتها الدولية مع روسيا من خلال تشجيع استخراج غاز الشرق الأوسط وتخفيف الضغط على الدول الأوروبية.
– المسار الإيجابي الذي يسلكه ملف التفاوض غير المباشر بين لبنان وإسرائيل عبر الموفد الأميركي خصوصاً أنّ الإسرائيليين وضعوا خطّاً أحمر إعتراضياً على المسار التفاوضي في الناقورة من خلال وفدين تقنيين برعاية الأمم المتحدة، والذي يُنبئ بمزيد من الإيجابية التي قد تنتهي إلى اتفاق على الترسيم.
وبناء على هذه المعطيات، يرى المسؤول ذاته أنّ للدول المعنية بالملف، أي إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مصلحة استراتيجية ببدء استخراج الغاز من حقل كاريش قبل حلول موسم الشتاء والبرد في أوروبا، ولهذا هم مستعجلون لإنهاء هذا الملف، بينما لبنان، ولو أنه يرزح تحت وطأة أزمة اقتصادية – اجتماعية، إلّا أنّ من صمد لأكثر من سنتين ونيّف، باستطاعته انتظار بضعة أشهر إضافية، ما يعني أنّ الطرف الآخر لا يقلّ رغبة بحاجته إلى هذا الاتفاق.
لا بل أكثر من ذلك، اذ يمكن القول إنّ إسرائيل تعاني من خشيتها على ضياع الاستثمارات التي تكبدتها في حقل كاريش والحقول الأخرى بفعل تهديدات «حزب الله» بينما لبنان لم يستثمر بعد أي قرش في حقوله النفطية، وبالتالي لا يزال لبنان في موقع تفاوضي قوي، ولا يجوز تصويره في موقع ضعيف.
ويشير إلى أنّ فجوة المفاوضات بين لبنان وإسرائيل راحت تضيق مع الوقت، وتغيّرت باتجاه تحسين موقف لبنان وتلبية مطالبه. ولهذا يسود التفاؤل بإمكانية تحقيقها خلال الأسابيع المقبلة، خصوصاً أنّ تقدّماً ملحوظاً حصل في الجولات المكوكية التي أجراها هوكشتاين، لينهي كلامه بالقول: ولكن بالنهاية لكل مفاوضات تسوياتها.
وعلى هامش اللقاءات التي أجراها الموفد الأميركي مع المسؤولين اللبنانيين، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
– تقصّد الدبلوماسي الأميركي الإشادة ببيان وزارة الخارجية الذي علّقت فيه على مسيّرات «حزب الله» حيث اعتبرت يومها أنّ «لبنان يعتبر أن أي عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي الذي تجري المفاوضات في إطاره، غير مقبول، ويعرضه لمخاطر هو في غنى عنها».
– أبلغ من التقاهم أن الاسرائيليين يخشون تقديم أي تنازلات تحت الضغط كي لا يسجلوا سوابق قد تجرّ خطوات مماثلة.
– عبّر عن انزعاجه من مواقف «المزايدين» الذين يطالبون بتشريع الخطّ 29 وبينهم نواب «التغيير»، ولم يتردد في تسمية بعضهم بالاسم.
– عبّر عن ارتياحه لوحدة الموقف اللبناني من خلال اللقاء الذي جمع الرؤساء الثلاثة في بعبدا، حتى أنّ دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لإحياء الاتفاق الإطار قد وجدت طريقها إلى المعالجة من خلال عرض فكرة توقيع اتفاق الترسيم في الناقورة.
– أعرب عن استغرابه لتوقيت احتجاح لبنان على أعمال التنقيب في كاريش مع أن أعمال الاستكشاف تعود إلى العام 2014 إلا أنّ لبنان و»حزب الله» تحديداً لم يسجلا اعتراضهما إلا راهناً خصوصاً أنّ أعمال التنقيب تحصل في الجزء الجنوبي للخطّ 29.