(خاص الهديل)
امس اجتمع المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر ( الكابنيت)، وهو المجلس الذي يناط به في إسرائيل اخذ قرارات الحرب، او التعاطي مع الأزمات الأمنية والعسكرية الساخنة، وكان على طاولة البحث المفاوضات الإسرائيلية غير المباشرة مع لبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية، وما وصلت إليه وساطة هوكشتاين، وموقف إسرائيل من تهديدات حزب الله، والسيناريوهات محتملة الحدوث.
طبعا “محادثات الكابينيت” تكون بالعادة سرية ؛ وقلما يتسرب عنها شيئا جوهريا، ولكن بالعادة يتم النظر إلى هذا النوع من الاجتماعات انطلاقا من الشكل، بمعنى نوعية الحضور فيه ؛ ويلاحظ في هذا المجال، ان ” اجتماع الكابينيت” امس، حضره إلى جانب الوزراء دائمي العضوية فيه، كل من رئيس الأركان افيف كوخافي، ورئيس شعبة الاستخبارات اهارون حاليفا، ورئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات عميت ساعر ؛ كما شارك في الاجتماع كل من رئيس الشاباك رونين بار ، ومستشار الامن القومي إيال حولتا.
واضح من المسؤولين الذين حضروا الاجتماع، أن هذا الاجتماع كان له صفة استثنائية، وأن الفكرة التي حتمت عقده، هي دراسة ازمة أمنية وعسكرية بات يتوجب أخذ قرارات حاسمة بشأنها.
وبحسب ما تسرب عن الاجتماع، إستنادا لما تناقلته الصحافة الإسرائيلية، فان هؤلاء المسؤولين الذين حضروا الاجتماع، وهم يمثلوا كل المستوى العسكري والامني والسياسي المقرر في إسرائيل ، توافقوا على تقويم ما يمكن تسميته بنوايا نصر الله تجاه احتمالات الذهاب فعليا الى الحرب؛ فوجدوا ان امين عام حزب الله ، مهتم – ودائما من وجهة نظرهم- باستخدام الاتفاق الذي يسعى لابرامه هوكشتاين، كصورة انتصار على الساحة اللبنانية الداخلية. وعليه وجد الكابينيت ان لدى حزب الله اسباب داخلية قوية تجعله قد يصل للذهاب الى اشتباك ينزلق لحرب ، ولذلك فإنه يجب التعاطي مع تهديداته انطلاقا من زاوية انها قد تسفر فعلا عن اندلاع حرب.
ويجب لفت النظر هنا الى ان هذه السطور تنقل الاستنتاجات الإسرائيلية ، ولا تتبنى صحتها او توافق على تحليلاتها، ولكن تعمد الى سرد أبرز افكارها، وذلك في محاولة لاستنتاج وتوقع كيف يمكن ان تتصرف إسرائيل خلال الفترة المنظورة مع ملف غاز لبنان.
.. و بغض النظر عن الحقيقة التي تحرك موقف حزب الله تجاه ازمة كاريش، فإنه يبقى الأهم في قراءة الموقف الإسرائيلي، هو التوصل لأجابة عن السؤال الهام، وهو : قبل سبر غور موقف الحزب من الحرب ، هل تل أبيب تريد فعليا حربا مع لبنان ومع حزب الله ؟؟ . . واستدراكا ، وبالاساس ، هل أميركا تريد حربا اليوم مع حزب الله ؟؟؟.
هناك نظرية تقول انه من المهم معرفة ما اذا كان حزب الله يريد حربا ، ولكن الأهم معرفة ما اذا كانت إسرائيل تريد حربا ، والأمر الأكثر أهمية هو معرفة ما اذا كانت أميركا تريد حربا..
ويذكر المراقبون انه قبيل حرب العام ٢٠٠٦ ، كان الحزب لا يريد حربا، وكان تقديره بأن حكومة اولمرت الإسرائيلية لا تريد حربا، ولذلك قرر الحزب القيام بعملية أسر الجنود الاسرائيليين، ولكن ما تفاجأت به كل من حكومة اولمرت وقيادة حزب الله بان أميركا حينها كانت تريد الحرب، فوقعت الحرب رغما عن إرادة اولمرت ومن خارج حسابات حزب الله.
وحاليا يجب التبصر بسؤال مفاده: هل إدارة بايدن تريد الحرب؟؟.. وتأليا ، وبدرجة اقل، هل حكومة يائير لها مصلحة بشن حرب ؟؟ وأخيرا ، وبدرجة ثالثة ، هل حزب الله يريد صورة نصر كما يدعي الإسرائيليون، وذلك من خلال اشتباك محدود يؤدي الى تغيير معادلة ما يحدث في كاريش؟؟ ام انه يريد حربا؟؟ . ولكن خطوة حزب الله باتجاه التصعيد العسكري، تظل مجرد اشتباك محدود، إلا إذا كانت واشنطن تريد تطويره ليصبح حربا مفتوحة كما حدث عام ٢٠٠٦.
.. هذا على المستوى السياسي ، أما على المستوى العسكري، فكل المعطيات تقول ان الجبهة البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل أصبحت جاهزة للحرب، وذلك على خلفية ما بات يعرف في إسرائيل بأزمة كاريش..
لقد أتمت إسرائيل كل استعداداتها العسكرية، وكأن الحرب واقعة فعليا مع حزب الله قبل شهر أيلول، وذلك على خلفية ان تل أبيب حددت أيلول موعدا لبدء استخراج الغاز من كاريش، فيما الحزب هدد بأنه سيهاجم كاريش في حال لم يحصل لبنان على غازه في تلك المنطقة التي هي محل نزاع مع اسراىيل .
وبخصوص تفاصيل الاستعدادات” لحرب كاريش ” التي قامت بها إسرائيل خلال الأسابيع الاخيرة، تبرز الوقائع التالية:
أنشأت إسرائيل خلال الفترة الأخيرة ما يمكن تسميته ب ” منتدى طوارئ ” يضم وزارة الجيش الإسرائيلي وبحريته وقواته الجوية وأجهزة مخابراته، وذلك من أجل الاستعداد لإحتمال أن يقوم حزب الله بعمل عسكري او الإضرار بعملية ضخ الغاز من منطقة كاريش او غيرها.
وضمن نفس هذه التحضيرات فإن قائد استخبارات العدو العسكرية “أمان” اللواء “أهارون حاليفا”، خصص القوة والموارد الكفيلة بالرد على التهديدات من جانب حزب الله في المجال البحري و تلك اللازمة لحماية المياه الاقتصادية الإسرائيلية .
وبحسب ما سربته وسائل الإعلام الإسرائيلية فإنه جرت خلال الأشهر القليلة الماضية، عدة تدريبات في البحرية الإسرائيلية بقيادة قائد العمليات البحرية العميد دانيال حجاري، وحاكت هذه التدريبات حصول عملية هجوم على الوحدات العسكرية البحرية الإسرائيلية، بصواريخ موجهة وصواريخ دقيقة.
وخلال هذا الشهر سيتم إجراء تدريب آخر كبير من شأنه محاكاة ما تسميه إسرائيل بالسيناريوهات المتطرفة في الساحة البحرية ( حرب مع حزب الله) ، وسيتم دمج التحسينات التكنولوجية فيه.
والى ذلك كان آلاف الجنود الإسرائيليين من مختلف القطعات العسكرية الإسرائيلية أجرت مناورة قبل عدة أسابيع في قبرص لمحاكاة تنفيذ هجمات داخل الأراضي اللبنانية ، وللتدرب على خوض حرب ضد لبنان انطلاقا من توسيع ميدانها ليصبح كل البحر وصولا إلى قبرص.
والواقع أن ما تقدم يعني أمرا واضحا وهو أن إسرائيل أنجزت خلال الأسابيع الأخيرة وخلال هذا الشهر كل التحضيرات العسكرية الممكنة لخوض “حرب كاريش” مع لبنان و مع حزب الله ، وذلك بغض النظر عن التقديرات حول مدى جدوى هذه التحضيرات والاستعدادات.
وبكلام اخر فإنه يمكن القول أن الجبهة البحرية والبرية بين اسراىيل ولبنان باتت جاهزة على المستوى العسكري ، و ما تبقى، فهو مرهون بما اذا كانت هناك جهوزية على مستوى القرار السياسي؟؟.
.. وهنا يبدو أن أمر الذهاب لحرب كبيرة، هو بيد إدارة بايدن ، أما ما هو متوقع الحدوث في حال كانت أميركا لا تريد الحرب، فهو حدوث اشتباكات صغيرة وضربات متناسبة تعجل التسوية حول كاريش..