الهديل

خاص الهديل – الحل يبدأ بالمساءلة عن انهيار الدولة حتى تفجير المرفأ..

(خاص الهديل) 

كل الفكرة التي لا يتم الاعتراف بها، والتي لن يكون هناك حل للازمة اللبنانية من دون تطبيقها، تتشكل من كلمة واحدة، هي: المساءلة.

.. المساءلة بمعنى انه من المستحيل طي الصفحة والبدء بصفحة جديدة، وفق عبارة او معادلة ” عفا الله عن ما مضى”.

لقد تعلم اللبنانيون، وتعلم العالم بالأخص، امثولة، لم يعد يمكن تجاهلها بعد اليوم ، وهي ان المجتمع الدولي بعد الحرب الاهلية ،طي صفحة المساءلة المتسببين بالحرب ، واخذ البلد إلى مرحلة جديدة تحت عنوان “عفا الله عن ما مضى” ، وأن المهم هو بدء صفحة جديدة حتى لو اصبح زعماء الحرب هم زعماء دولة ما بعد الحرب. 

.. وبناء على هذا التوجه، فإنه بدل ان يتم تشكيل محاكم لإنزال العدالة بالمتسببين بجرائم الحرب الاهلية التي ارتبكتها الميليشيات خلال أعوام الحرب العشرين التي أودت بحياة ماية الف لبناني ، فانه تقرر أن يتم مكافأة زعماء الميليشيات وتوزيع السلطة بينهم، وذلك على أمل أن يقوم من تقاتل بالحرب، بعقد سلم اهلي فيما بينهم، وبناء الدولة باشرافهم.  

وبعد أكثر من عشرين عاما على تجربة جعل المتقاتلين هم حمامات السلام، وهم بناة دولة السلم والقانون ، اتضح بجلاء أن هذه النظرية كانت زائفة بكل معنى الكلمة، وأنه كان يجب أن يتم بناء مرحلة بناء الدولة على اساس إجراء محاسبة عادلة وصارمة لكل مرحلة الحرب والمشاركين فيها، وليس على اساس مكافأة زعماء الحرب بتوزيع السلطة عليهم.

لقد تبين أن هذا السلوك من قبل المجتمع الدولي ، أدى إلى إيصال رسالة خاطئة لزعماء الحرب ، مفادها أن بإمكانهم ارتكاب الجرائم وسيتم مكافأتهم عليها، وليس محاسبتهم عنها.

.. وهكذا كرر زعماء الميليشات في الحرب، نفس اخطائهم القاتلة حينما اصبحوا رؤساء ووزراء في دولة ما بعد الحرب. 

وكل ما تقدم يقود إلى فكرة أساسية، وهي أن المحاسبة، وتطبيق المحاسبة بصرامة بشفافية – أي تطبيق العدالة- ، ليس المقصود منها الثأر او الإنتقام ، او حتى مجرد إنصاف الضحايا الابرياء، بل المقصود منها أيضا وبالأساس ، إيصال رسالة للجميع تقول انه لا أحد فوق القانون، وأن العدالة ليست موازين قوى، بل هي شريعة دولة القانون التي تحمي كل مواطن، والتي تجعل كل حزب وكل مسؤول يفكر الف مرة قبل أن يتجاوز القانون، وقبل أن يتجرأ على الدولة وعلى السلم الاهلي ، وقبل ان يرتكب الأخطاء بحق سيادة بلده ولكن مجتمعه.

وعلى هذا فإن ازمة انهيار الاقتصاد اللبناني وانهيار الدولة، ليست ازمة حسابات مالية ، بل هي أزمة وطن تعرض من قبل منظومة لسرقة شاملة، ولا يمكن أن تحل هذه الأزمة، الا اذا تمت مساءلة السارق، والا فإنه في حال قامت الدولة ولم تقم بمحاسبة المسؤولين عن الانهيار ، فهذا يعني أمرا واحدا ، وهو أنه لا مكان لاستعادة الدولة في لبنان ، لأن خاطفيها والذين هم مسؤولون عن انهيار البلد ، ما زالوا اقوى من الدولة، وأكثر قدرة على جعل قانونهم فوق قانون الدولة.

.. من هنا يعتبر شعار العدالة لضحايا المرفأ ، وشعار الحقيقة للذين قتلوا ظلما والذين نهبت اموالهم، ليست مجرد شعارات واهية، بل هي وصفة لاتباع أسرع طريق لبناء بلد على أسس صلبة وحقيقية وثابتة.

Exit mobile version