كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
ينحسر الضغط المحلي – الدولي لتأليف حكومة جديدة مع تناقص عدد الأيام الفاصلة عن بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. كأن الداخل والخارج، بالغالبية العظمى، صارا مسلِّمين بالعبثية اللبنانية، وتحديدا بالعبثية التي حكمت اداء القيّم على التأليف. ولم يعد خافياً أو سراً أن هذا القيّم منذ أن صار على يقين بإعادة تكليفه، لم يرد يوما التأليف، بل صارح أكثر من جهة أن في جيبه ورقتا لوتو: ورقة التكليف وورقة حكومة تصريف الأعمال، وتاليا هو في وضعية الرابح أنّى آل إليه الواقع:
أ-يؤلّف في حال تناسب التأليف وما يريده، وهو ما أظهرته المسودة الحكومية التي أتت بلا منهجية واعترتها إزدواجية المعايير والمقاييس، ترمي أساسا الى إستفزاز رئاسة الجمهورية والى إستدرار ردة فعل كي تُعيَّر بالتعطيل.
ب-ويمتنع عن التأليف في حال لم يكن له ما يريد، مكتفيا بل راضيا بترؤسه حكومة تصريف الأعمال، متسلّحا بما سمّاه raison d’état في حال اقتضت الحاجة الذهاب إلى مفهوم فضفاض وموسّع للتصريف.
وفي المساحة الفارغة، القاتلة، يملأ أهل الحل والربط الوقت الثمين، الضائع على اللبنانيين، في أمرين:
1-تشريع مجتزأ على طريقة التشويه الذي ألحقه مجلس النواب بقانون سرية المصارف. ويُنتظر موقف صندوق النقد الدولي من القانون الوليد، بعدما أفرغه المجلس من الغاية التي جرى تعديله من أجلها، عبر محاصرة شمولية الجرائم المالية وإجهاض المفعول الرجعي لتلك الجرائم وإبقاء رؤساء الأحزاب وأصحاب المؤسسات الإعلامية في منأى عن رفع السرية عنهم.
وكان التيار الوطني الحر قد بادر الى تقديم اقتراح قانون معجّل مكرر لتصحيح التشويه الذي لحق بأصل قانون سرية المصارف، غير أن أزمة نواب التغيير مع نواب حركة أمل ورئاسة المجلس وما لحقها من تصرفات مستغربة، طيّرت الجلسة التشريعية، في إنتظار ما سيكون عليه موقف المجلس من التعديلات التي تقدّم بها التيار.
ويبقى على البرلمان إقرار 3 قوانين أخرى يلحّ عليها صندوق النقد والمجتمع الدولي، وهي إعادة هيكلة المصارف والكابيتال كونترول والموازنة.
2-استكمال النقاش في انتخاب رئيس جديد. وهو نقاش إنحسر في الأيام الأخيرة ربطا بتسليم غالبية القوى بأن عوامل عدة تتحكم بهذا الإستحقاق، خارجية وداخلية، فيما المعنيون أبطأوا ديناميتهم وحدّوا حركة مشاورات وجس نبض كانت قد إنطلقت قبل فترة، ما عدا رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي وضع برنامج تحرك محلياً وربما خارجياً، بدأه من البطريركية المارونية وأوصله حتى الآن الى عين التينة.
ويبقى الأساس إنهاء الخلاف الحدودي مع إسرائيل. وشكّلت زيارة كبير المستشارين لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكستين محطة رئيسة في سياق المعالجات الحاصلة لهذا الملف الشائك.
وبات واضحا أن هوكستين يعمل على طرح تعتقد واشنطن انه يصلح الى أن يشكّل تسوية توفيقية بين الموقفين اللبناني والإسرائيلي، لكنها في الوقت عينه تنظر بريبة الى موقف حزب الله من مجمل التسوية الحدودية المُراد عقدها. وثمة اعتقاد أميركي راسخ بأن الحزب ليس في موقع المسهّل، بل ليس في وارد الموافقة على أي تطور إيجابي، في مقابل معطيات مصدرها أكثر من عاصمة أوروبية، من بينها باريس، تتحدث عن ليونة إيرانية ستتيح إنتاج اتفاق لبناني – إسرائيلي في موعد قريب.
من بين الاقتراحات الراجحة أميركياً ودولياً الإتفاق على شركة ثالثة تعمل في المنطقة المشتركة وفقاً لمعادلة تقاسم الأرباح
ولا يخفى أن من الإقتراحات الراجحة أميركيا ودوليا الإتفاق على شركة ثالثة تعمل في المنطقة المشتركة وفق معادلة تقاسم الأرباح، تكون نموذجا للحل عند مصادفة أي حقول مشتركة مستقبلا. غير أن هذا التصور سيبقى راهنا على الرفّ في إنتظار تمرير تسوية قانا – كاريش، مع علم كل الأطراف الداخلية والخارجية أن معادلة تقاسم الأرباح لا بد من تكريسها مستقبلا لأن المكامن الغازية المشتركة في الدول الحدودية أمر شائع، كمثل الآلية المنظمة للحقول المشتركة بين إيران وقطر.
وسبق لـ «حزب الله» أن إعترض على تقاسم الأرباح، انطلاقا من اعتباره هذا الحل تطبيعا مع اسرائيل يرفضه رفضا قاطعا.
وثمة إنطباع واسع بأن الحل البحري، متى وُجد، سيُستتبع بانفراجات سياسية لن يكون انتخاب الرئيس وحيدها.