خاص الهديل :
في مشهد كان متوقعا منذ فترة، اندلعت الحرب بين غزة وإسرائيل.
.. وكان التصعيد بين الطرفين ( الجهاد الإسلامي وإسرائيل ) ، قد بدأ تقريبا بالتزامن مع بدء التصعيد في لهجة التهديدات بين حزب الله واسرائيل، علما ان موضوع التصعيد في لبنان ذي الصلة ” بحفارة” حقل كاريش، يختلف عن موضوع التصعيد بين إسرائيل وغزة الذي تركز على حملة إسرائيلية ضد حركة الجهاد الإسلامي، بلغت ذروتها بإقدام حكومة يائيير لابيد على اغتيال القيادي في ” سرايا القدس ” تيسير الجعبري .
والواقع أن حرب غزة هذه المرة تشترك بنقاط وتختلف بنقاط عن حروب غزة السابقة .. فهذه الحرب تكرر نفس المشهد لجهة إقدام إسرائيل على الاستثمار بالدم الفلسطيني لاسباب ذات صلة بالتنافس الاسرائيلي الانتخابي الداخلي ؛ وكما فعل نتنياهو عندما كان رئيس حكومة انتقالية ، فان يائيير ايضا، يحول غزة إلى صندوق انتخابي دامي داخل الانتخابات العامة الإسرائيلية المزمع عقدها قريبا.
كل عدوان إسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة، يكون له ” رمز ” او ” صقر” او ” بطل” إسرائيلي لديه طموح بتجديد ولايته برئاسة الحكومة أو الوصول إلى رئاسة الحكومة ، و” بطل” العدوان الحالي على غزة هذه المرة، هو يائير لابيد، ومعه وزير الدفاع غانتس.
ويحاول لابيد ، شأنه شأن كل رؤساء الحكومات الانتقالية في إسرائيل الذين يكونون على عتبة انتخابات عامة، ان يذهب لخوض حروب على الفلسطينيبن، حتى يسجل مكاسب لدى شريحة إسرائيلية يمينية كبيرة، في صناديق الانتخابات.
.. ويائير لابيد يحتاج اكثر من غيره من كل رؤساء الحكومات الانتقالية الذين مروا على إسرائيل ، الى حرب مع غزة، كونه شخصية لا تملك ” كاريزما زعامة” في إسرائيل، وكونه لا يملك تاريخ عسكري لا عادي ولا مميز ، وكونه لم يخرج إلى السياسة من حزب إسرائيلي عريق .. ولذلك فإن لابيد المدعوم من ادارة بايدن، يحتاج “لضربة حظ “حتى يفوز في الانتخابات المبكرة، خاصة وانه ينافس ثعلب السياسة الاسراىيلية نتنياهو الذي يرأس الحزب الأكبر في إسرائيل.
وثمة من يقول من المراقبين أن حرب غزة السابقة ( سيف القدس ) أراد منها بايدن إخراج ” نتيناهو حليف ترامب” من رئاسة الحكومة، ليحل مكانه حليفه يائير لابيد.. فيما الحرب الحالية التي بادر إليها لابيد يريد منها ابقاء نتنياهو خارج رئاسة الحكومة في الانتخابات العامة المقبلة.
ومن بين النتائج التي يريد بايدن ان تسفر عنها حرب غزة ، نتيجة أساسية وهي ظهور يائيير لابيد ” كبطل قومي” لليمين الاسرائيلي الذي هو “صحن نتنياهو الانتخابي”، وبذلك لا تعود المعركة بين لابيد وبين نتنياهو بل بين لابيد وبين غانتس الذي يسعى ايضا من موقعه كوزير للدفاع إلى الاستثمار انتخابيا في الدم الفلسطيني.
وضمن هذا التوجه يذهب لابيد إلى أقصى التطرف في إبداء البعد الصهيوني اليهودي اليميني لمعركته، حيث يسمح للمستوطنين في أثناء الحرب باقتحام المسجد الأقصى ويوجه إلى اغتيال المزيد من قياديي الجهاد الإسلامي تحت عنوان الثأر لعمليات طعن ودهس المستوطنين.. وتكاد تشبه هذه الحرب بما تحمله من إيحاءات رمزية ، الحملات الانتخابية للمرشحين العنصريين، ولكن هذه المرة بالصور الدموية الحية، وليست التمثيلية.
.. ومن نقاط الفرق بين حرب غزة الان مع حروب غزة السابقة، هو انها هذه المرة اندلعت في مناخ حديث إسرائيلي يوحي بأن هناك فرقا محسوسا وخطرا ، موحود فوق ميدان الصراع العسكري والسياسي في غزة، بين حركتي حماس والجهاد الاسلامي (!!).. واذا كان مفهوما ان إسرائيل لديها مصلحة كبيرة في جعل ” عدوها الفلسطيني” في غزة غير موحد ، فأنه ما هو ليس مفهوما، هو لماذا تبتعد فعليا حماس عن الانخراط الفعال، إلى جانب الجهاد الإسلامي في معركة ” توحيد الساحات ” حسب تسمية حركة الجهاد لهذه الحرب.
وضمن هذا السياق غير الصحي يجدر تسجيل عدة ملاحظات :
يلاحظ أن اسم الحرب ( توحيد الساحات ) أطلقته هذه المرة ولأول مرة حركة الجهاد الاسلامي، بينما تسميات كل حروب غزة السابقة كانت تضعها حماس.
يلاحظ أيضا ان ٩٩ بالمئة من بيانات العمليات ضد إسرائيل في هذه الحرب تحمل توقيع سرايا المقاومة ( الجناح العسكري للجهاد) والبقية ( ١ بالمئة) تحمل توقيع فصائل فلسطينية أخرى ليس القسام ( الجناح العسكري لحماس) بينها.
يلاحظ أيضا أن تسمية ( توحيد الساحات ) فيها بعد وبصمة واضحة من الخطاب السياسي الذي يردده ويحمله” محور المقاومة الإقليمي ” الذي يمتد من ايران إلى غزة ،
وكل هذه الملاحظات تقول أمرا أساسيا وهو أن هذه الحرب لا تعتبرها حماس حربها ، وأن هذه الحرب خطرة على الفلسطينيين، ليس لأن لابيد – غانتس أخطر عسكريا من نتنياهو، بل لأن ساحة غزة غير موحدة ، ولانها تدخل في حرب تحت شعار ” توحيد الساحات” بينما واقع الحال يؤشر إلى وجود ” تشرذم الساحات”!!.