كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
بيت ياحون عطشى منذ اكثر من عام، والمياه مقطوعة عن منازل الاهالي، البلدة التي هزت عروش العدو الاسرائيلي في حرب تموز، هزّها العطش اليوم، فخرجت الى الشارع تعترض على سياسة الانماء «بالمقلوب» المتبعة والتي بدلاً من توفير الخدمات للناس، اختفت كلها، وبات الاهالي يشترون المياه في ظل ظروف اقتصادية صعبة للغاية تجاوز سعر نقلة المياه فيها الـ700 ألف ليرة، فيما النواب والمعنيون غير آبهين بمعاناة الناس في تلك البلدة التي تقع في قضاء بنت جبيل، وتشبه حال عشرات القرى العطشى الاخرى، المحرومة من نقطة مياه اما بسبب التناحرات السياسية او بسبب فقدان الكهرباء والمازوت، وبينهما الناس بلا مياه.
كان صعباً على الحاجة السبعينية ان تصرخ عالياً مطالبة بحقها بالمياه، أسوة باصحاب البساتين الذين ينعمون بوفر المياه، واكثر تقول «لو بدو يروح 100 قتيل ببلدنا، مي وبدنا ياها».
هي ثورة غضب اشعلها اهالي بيت ياحون ضد فقدان المياه، وضد الاحزاب والمستخفين بحقوق الناس، ثورة قد تنسحب على العديد من القرى والبلدات الجنوبية، التي يخترق معظمها نهر الليطاني نحو البحر، وهي عطشى. كان حريّاً بالمعتصمين ان يرفعوا الصوت في وجه الظلم، ينطلقون من أن ثورة عاشوراء كانت ضد الظلم، وشعار «هيهات منا الذلة» على الظلم ايضاً، وبالتالي فإن ثورتهم ضد فقدان المياه هي ضد الظالمين، الذين يحجبون المياه عن منازل البلدة منذ قرابة السنة، عن قصد او غير قصد، ولكن اي حال هو حال بلدة بيت ياحون؟
تتغذى بيت ياحون من 3 منابع: مشاريع الطيبة، كفرا وبرعشيت، ومع ذلك لا مياه فيها ما دفع بالقلّة للاعتراض على الحال وقطع الطريق لاكثر من اربعة ايام متتالية، فالوضع بحسبهم «ما عاد يحتمل»، وأكثر، يؤكدون ان المياه اساسية للحياة، للزراعة، لكل شيء، ومن دونها تصبح الحياة يابسة، «فكيف بدنا نزرع يا سيّد وما في ميّ»؟ تعلق احدى السيدات»، فيما يشير ابو علي الى اننا «نشحذ المياه، عم يعطونا 10 براميل بالقوة، وين الميّ»؟
على ما يبدو ان انتفاضة المياه انطلقت، وقد تكون بيت ياحون الشرارة الاولى لهذه الانتفاضات في القرى، والتي ستكون حتماً ضد الاحزاب، على اعتبار انهم يسيطرون على كل مفاصل القرار، رفضاً لسياسة «تعطيش» الناس في زمن الحر والزراعة، تعتبر مناطق وبلدات بنت جبيل قرى زراعية بامتياز، يعتمد جزء كبير من سكانها على الزراعة، ولكن في ظل غياب المياه، وارتفاع اسعارها، تصبح الزراعة «على الدنيا السلام»، وهذا ما حدا بالسيدة فاطمة لرفع الصوت اكثر مطالبة بحقها بالمياه، واكثر تقول: «بدنا مي، وبدنا كهرباء، خبز ودواء، بدنا كل شي من حقنا، نحن انتخبناهم ليوفروا لنا كل شي، مش قادرين يستقيلوا مننتخب غيرن»، لعل كلمات السيدة علياء اصدق تعبيراً عن وجع اهالي بيت ياحون، الذين يرزحون تحت وطأة ازمة مياه خانقة منذ سنة تقريباً، دون اي بشائر حل او انفراجة مرتقبة، رفعت السيدة صوتها عالياً خلال تحركات الاهالي الاحتجاجية ضد فقدان المياه التي شهدتها بيت ياحون، قررت كسر حاجز الخوف، والانطلاق بثورة الدفاع عن الحقوق، تؤكد السيدة أنه «معنا سلاح ومعنا مال ومش قادرين ناكل وما عنا نقطة مي»، توجّه انتقاداتها واتهاماتها للحزب والحركة في البلدة، بالقول: «انتخبانكم كرمال توفروا لنا كل شي، مش قادرين تنحّوا نحن منكون نواب ومخاتير ورؤساء بلديات، لانو نحنا منعرف الحق اكثر منهم».
في تحركاتهم المتتالية خلال الايام الاربعة الماضية، كان الاهالي يوجهون الضربة القاسية للاحزاب، فهم برأيهم تخلوا عن «ناسهم» في احلك الظروف، وفق قول احدهم: «كانت النقلة بـ300 ألف ليرة وكنا نشحذها، اليوم بـ700 ألف كيف بدنا نأمنهم»؟
أحد لا يعرف سبب غياب المياه، لانهم كما يقولون: «ما في جواب»، هناك مماطلة واضحة في معالجة ازمة مياه بيت ياحون. وحده جواب «هاليومين، وهالاسبوع» يختصر الاجوبة، غير ان تحركات الناس على الارض، احدثت خضة غير متوقعة للاحزاب، اكدت لهم ان «الفقير اذا صرخ يهتز كل ما حولهم»، من هنا تؤكد مصادر متابعة انه جرى التواصل مع الاهالي ووعودهم بان المياه ستكون في المنازل خلال عشرة ايام، وان المشكلة تكمن في المازوت والكهرباء».
في وقت تتجه معظم البلديات نحو الطاقة الشمسية لتغذية الآبار الجوفية بالكهرباء، ما زالت بيت ياحون وعشرات القرى عطشى، يئنون من لهيب فواتير المياه المرتفعة، وحدهم المعنيون يتحركون ببطء لطرح اي حل، قد يستغرق اشهراً، وكأن معاناة الناس في واد وتناحراتهم في واد آخر، ما دفع باحدهم للقول: «شي مرة اتفقوا على حقوق الناس، اللي بفضلها انتو موجودين».
اذاً امام اهالي بيت ياحون الانتظار مجدداً عشرة ايام لتعود المياه الى مجاريها، ليبنى على الشيء مقتضاه، فهل يفي المعنيون بالوعود ام سيعود الاهالي الى الشارع؟