كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
يتوالى سرد مواصفات رئيس الجمهورية العتيد. استبق رئيس «التيار الوطنيّ الحر» جبران باسيل وقوع الاشتباك العلني «للمعركة الأم»، بإخراج ترشيحه من التداول بحجّة أنّ «ميشال عون ما خلّوه، أنا أكيد ما رح يخلّوني إشتغل أيضاً». ليختصر «التيار» عنوان معركته الرئاسية «بوجوب أن يحظى من يتولى موقع رئاسة الجمهورية بالميزة الأولى وهي التمثيل الشعبي». ثمّ كان تدخّل رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي يريد «مرشحاً يكون لديه برنامج اجتماعي- اقتصادي ينطبق على مطالبي كحزب «تقدمي اشتراكي» و»اللقاء الديمقراطي».
الرئيس نبيه بري ذهب في اتجاه الإشارة إلى أنّ «لبنان متعدد الألوان. والرئيس يجب أن تكون لديه نكهة مسيحية وإسلامية وقبل أي شيء وطنية ليكون جامعاً». أمّا رئيس حزب «القوات» سمير جعجع فوضع خطّاً أحمر على وصول رئيس من قوى الثامن من آذار مقابل تفضيله «مرشحاً يتمتع بالحدّ المقبول من البعد السيادي والحدّ الأقصى من الوضعية الاصلاحية».
ولكن على «التقريش» اللبناني، يمكن قراءة هذه المواقف على الشكل الآتي: حتى اللحظة يضع باسيل فيتو على أي ماروني ليتولى الرئاسة بعد الرئيس ميشال عون، ذلك لأنّ شرط التمثيل الشعبي يعني إمّا ترئيسه وإما ترئيس جعجع. والحالتان مستعصيتان، حيث يؤكد دبلوماسي بارز انّ باسيل أدرِج على لوائح العقوبات الأميركية لاعتبارات سياسية تتصل بحلفه بـ»حزب الله» فيما مواقفه الأخيرة لا تصبّ في الخانة المعاكسة وهو شرط أساسي لفتح باب إخراجه من هذا المأزق ما يعني أنّ امكانية عودته إلى الحلبة الرئاسية في هذه الجولة مستحيلة.
وبالتالي إنّ الشرط الذي يطرحه «التيار الوطني» ليس إلّا لعباً في «الوقت الشرعي» «للماتش الرئاسي»، ولكن مع انقضاء مهلة «التسعين دقيقة الأصلية»، سيكون لكل حادث حديث.
أمّا الفيتو الذي وضعه جعجع على وصول رئيس من قوى الثامن من آذار فدونه شرط أساسي وهو تأمين ثلث معطّل قادر على حجب انعقاد جلسات الانتخاب، وهو احتمال غير مضمون خصوصاً وأنّ هذا الفريق خاض معركة اتهام «حزب الله» بالتعطيل ما يعني أنّ اللجوء إلى هذا الخيار قد يكون دونه خشية من الانتقادات الشعبية، واصرار الدول الغربية على حصول الاستحقاق في وقته… وانقسام المجموعات المعارضة. كما أنّ احتمال الاتيان برئيس وفق مواصفات رئيس «القوات»، أي من خلال أغلبية القوى المعارضة، صعب جداً إن لم نقل مستحيلاً.
في المقابل، وحدها المواصفات التي وضعها كلّ من بري وجنبلاط، قابلة للبناء عليها خصوصاً وأنّ الأخير فتح الباب على نحو علني أمام رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية من خلال تعمّده الإشارة إلى أنّه «يُقدّر بيت فرنجية وأحبهم، وأعرف الجد وكان لي مواقف سياسية، وكان لدينا جبهة مع سليمان بيك الجد» لا بل أكثر من ذلك ذهب إلى حدّ دعوة فرنجية إلى تقديم برنامج «بالإصلاح السياسي وبالحد الأدنى بالسيادة وبالسلاح». وهو ما يُعتبر بالتفسير العلمي لسلوك رئيس الحزب التقدمي، نافذة حوار جديّة مع رئيس «تيار المردة».
ويقول المواكبون لهذا المسار إنّ فرنجية يشكّل تقاطعاً بين الفريق المؤيد لـ»حزب الله» وبين فريق آخر يخشى على اتفاق «الطائف» من أن يكون ثمن التسويات الكبرى. ولهذا، يعتقد هؤلاء أنّ جنبلاط فتح كوة في نافذة ترشيح القطب الزغرتاوي، لأنه كما صديقه، الرئيس بري، كما النواب الذين يدورون في فلك «الحريرية السياسية»، من أكثر الحريصين على صمود الصيغة الحالية.
على هذا الأساس، ثمة من يقول إنّ ترشيح فرنجية ينطلق من قاعدة الأصوات التي نالها نجيب ميقاتي حين سمّي رئيساً للحكومة في 23 حزيران الماضي، أي 54 صوتاً، وقد تنضم أصوات «اللقاء الديموقراطي» اذا تبيّن أنّ ترئيس فرنجية قابل للحياة خصوصاً اذا قرر «حزب الله» خوض هذه المعركة على نحو جدي لتأمين أغلبية نيابية تسانده، فضلاً عن بعض النواب الأصدقاء الذين لم يصوتوا لميقاتي.
ويرى المطلعون على موقف فرنجية أنّ هذا السيناريو ليس مستبعداً، لأنّ لـ»حزب الله» مصلحة في تأمين وصول رئيس قادر على مواجهة أي ضغوط خارجية قد يتعرض لها في ما لو تجدد الحصار الاقليمي والدولي على لبنان بأشكال جديدة، وبالتالي، سيكون احتمال تكرار تجربة ميشال سليمان في الرئاسة، ضعيفاً جداً خصوصاً اذا سلك ملف الترسيم مساراً ايجابياً أدى إلى توقيع الاتفاق في وقت قريب.
ويشير هؤلاء إلى أنّ التفاهم بين فرنجية وباسيل ممر إلزامي لكي يرى سيناريو ترئيس رئيس تيار «المردة»، النور، على الرغم من التصعيد الذي لا يزال رئيس «التيار الوطني الحرّ» يتسلّح به. ولكن المنطق السياسي السليم يقضي بأن لا يخوض باسيل معركة إبعاد فرنجية عن حلبة الرئاسة، لاعتبارات تتصل بالأول كما الثاني.
وفق هؤلاء، لم يكن القطب الزغرتاوي، وفي أي وقت من الأوقات، طامحاً لتأسيس زعامة شعبية، وبالتالي إن انتقاله إلى قصر بعبدا لا يفترض أن يكون عامل خوف لدى باسيل من تحجيمه شعبياً. لا بل يقول هؤلاء إنّ مصدر هذه الخشية يفترض أن تكون معراب، لا بنشعي، ولهذا من مصلحة باسيل أن يكون في بعبدا رئيس حليف أو صديق، لضمان حصوله على سند سياسي يساعده في معاركه الدائمة بوجه القوات.