خاص الهديل:
يجب الاعتراف ان وليد جنبلاط هو عضو داخل منظومة الطبقة السياسية المتهمة بالفساد، ولكن يجب الاعتراف أيضا ، وبنفس القوة، انه العضو الأكثر ثقافة من بين جميع زملائه وأترابه في هذه المنظومة، بل حتى الأكثر تنورا..
ومن ينظر لوليد جنبلاط من منظار حراك ١٧ تشرين او من منظار تقليدي، فسيجد ان وليد جنبلاط سياسي مثقف ؛ يقرأ كثيرا حسبما يستنتج اي متابع لمقابلاته التي يتحدث في كل واحدة منها، عن أحدث كتاب قرأه او عن أحدث دراسة نشرت، الخ..
ومن يحاكم ويقيم اسلوب وليد جنبلاط في تعامله مع حراك ١٧ تشرين، سيلاحظ انه الوحيد من بين كل اسرة الطبقة السياسية، كان يدرك البعد الثقافي والاجتماعي لهذا الحراك ، وكان يعلم أن التعامل مع هذا الحراك لا يجب أن يكون بالمواجهة فقط، وبكسر الجرة معه، بل بإحتوائه والتعايش معه والتعافي منه بأسلوب النفس الطويل والمرن ، لان جنبلاط هو الوحيد الذي كان من بين كل منظومة احزاب طوائف السلطة، متأكدا بان هذا الحراك هو حالة تظهر عجز التقليديين واحزابهم، وهو يشكل فعليا بديل عنهم، حتى لو توهم البعض انه انتهى مع خروج الناس من الشوارع..
امس خرج جنبلاط ليقول كلاما فيه ذكاء لمصلحة مشروعه كزعيم الدروز، وفيه ذكاء لمصلحة سلامة توريث نجله تيمور.
ولعل أهم رسالة أراد جنبلاط ايصالها امس إلى مصممي اللعبة السياسية الداخلية الحالية، قوله انه اذا لم يجتمع النواب التغيريون مع أحزاب المعارضة – وجنبلاط يعتبر نفسه هنا، انه جزء من أحزاب المعارضة – ، فإن هذا سيؤدي إلى انتصار محور الممانعة في لبنان!! .
وكل ما يريده جنبلاط من فكرته هذه هي جذب النواب التغيريين، وبالاساس جذب “مناخ الحراك ” لحوار مع المختارة، لان جنبلاط يعتقد بأن الجهة التي تهدد زعامة تيمور ، ليس النظام في سورية وليس القوة الضخمة المقيمة في حارة حريك، بل هي القوة غير الواضحة للكثيرين التي اسمها مناخ التغيير ومناخ الحراك .. وعليه يريد جنبلاط خلق تحالف وشراكة ورفقة طريق سياسية بين تيمور – وبين الحراك الشاب الذي لا يزال متسكعا على أرصفة اللعبة السياسية الداخلية .
يحاول جنبلاط ان يظهر للتغيريين انه مستعد ويريد ويسعى للتحالف معهم في المعركة ضد العناوين السهلة، وابرزها العهد العوني، وانه مستعد للتحالف معهم في وضع خارطة للاصلاح، وهو في هذه النقطة الأساسية، يقدم لهم تيمور وليد كمال بك جنبلاط، كممثل لديهم للنموذج الحديث للمختارة الطاعنة في السن والتجربة ، وذلك داخل حراك التغيير حديث السن و العهد والتجربة..
باختصار يريد جنبلاط إيجاد بيئة سياسية شابة لنجله على المستوى الوطني حتى يضمن استمرار الزعامة الثالثة او الرابعة للمختارة. فابو تيمور يعرف ان زعامات ال ٤٣ وزعامات الطائف والميليشات، في طريقها للافول ، وهي لم تعد قادرة على الإجابة عن أسئلة مستقبل البلد ولا مستقبل لبنان داخل معادلة الغد في المنطقة.
و بمقابل ان وليد جنبلاط يدعو القوى الجديدة للحوار معه ، او بالاحرى للحوار من خلاله مع نجله تيمور، حتى يتم الانتقال من مرحلة العهد العوني الذي وصفه بأنه فاشل وحاقد، لمرحلة الاصلاح التي شرط نجاحها قبول التغيريين ببعض ” التقليدين التائبين “؛ فهو يلفت نظر حزب الله الى انه يريد الحوار معه، وذلك عندما يقول انه يجب الحوار مع حزب الله ، مبررا سبب دعوته هذه ، بان انتظار تنفيذ القرارات الدولية حتى يتم حل ملف سلاح الحزب ، هو نوع من العبث وهو فكرة غير قابلة للتحقق.
ان وليد جنبلاط في خضم ازمة البلد وأزمة أحزابه وأزمة قوة التغيير فيه، يبحث عن موطئ قدم يوصل لافق ما، حتى يقوم بوضع خطوات نجله تيمور فوقه ..
.. وفي خلواته مع نفسه، ربما كانت الفكرة التي تجعل ابو تيمور أكثر قلقا، هو معرفته الأكيدة بأنه يقوم بمهمة صعبة للغاية وقوامها تقديم نموذج التوريث كحل لمشاكل مجتمع بات على قاب خطوة من ايمانه الكلي بضرورة التغيير في السياسة والثقافة والاجتماع والاقتصاد .
لقد صدق جنبلاط عندما قال امس ان لبنان القديم انتهى ، وان لبنان المصارف والسياحة مزور؛ وكان يستطيع أن يكمل شهادته على العصر اللبناني الجديد ليقول أيضا أن لبنان توريث الزعامة واحزاب الطوائف، لم يعد هو الحل، وشيئا فشيئا يصبح من الماضي.