خاص الهديل
لا شك ان الحرب التي وقعت في غزة بين إسرائيل وحركة الجهاد الاسلامي، انطوت على وقائع جديدة يتوجب لحظها حتى يمكن توقع كيف سيكون الحال بين لبنان وإسرائيل في غضون الأسابيع المقبلة الممتدة حتى منتصف شهر أيلول المقبل..
والواقع أن أبرز واقعة ظهرت خلال حرب غزة كشفت أن إسرائيل تعيش في هذه الفترة، نوعا من ما يمكن تسميته ” بالاستنفار الاستخباراتي الأمني عالي المستوى”.
..وبموجب هذا الاستنفار الأمني والاستخباراتي الاسرائيلي ، قامت إسرائيل بتغيير ثوابت كانت تعتبرها اساسيات توجه قواعد الاشتباك لديها سواء في غزة او في لبنان وسورية وحتى في ايران.
من هذه الثوابت التي غيرتها تل أبيب في قواعد الاشتباك التي كانت تلتزمها طوال الفترة الماضية، هو التمسك بتكتيك ” رد الفعل” الأمني والعسكري؛ أي أن إسرائيل – اقله اعلاميا ولأسباب سياسية- لا تبدأ الحرب العسكرية والأمنية بل تنتظر حتى تهاجم لترد تحت شعار ان ما تقوم به هو عمل دفاعي وليس هجوميا (!!)..
في حرب غزة الأخيرة كسرت إسرائيل هذه الثابتة في قاعدة اشتباكها مع حركة الجهاد الاسلامي.. وتبين المعلومات المسربة عن حرب غزة الاخيرة التي اسمتها إسرائيل” بالفجر الصادق “، ان المستوى الأمني الاسرائيلي أقر تنفيذ هذه العملية قبل ثلاثة أشهر ؛ وذلك بدعوى وجود معلومات استخباراتية لدى إسرائيل بأن حركة الجهاد الإسلامي تستعد لتنفيذ هجمات نوعية ضد إسرائيل.
.. وما يمكن استنتاجه اليوم، انطلاقا من هذه الواقعة الإسرائيلية حول مبررات تل أبيب لفتح حرب ” الفجر الصادق ” مع الجهاد؛ هو أن المستوى الأمني الاسرائيلي يتحدث في هذه الأزمة بشكل علني عن وجود تقدير موقف ومعلومات لديه، بأن حزب الله يستعد لتوجيه ضربات إلى كاريش ، وأن نصرالله لن يتراجع عن تنفيذ تهديده بقصف منصة كاريش فيما لو إسرائيل استمرت بالمراوغة بخصوص الاعتراف بحق لبنان بغازه وباستخراج غازه.
.. الصورة اليوم كما يرسمها المستوى الأمني الصهيوني تقول ان إسرائيل لن تستجيب لما تسميه ” ابتزاز ” نصر الله ، لان ذلك يضر لمعادلة الردع الأمني الاسرائيلي ، تماما كما أن إسرائيل لم تستجب لما تسميه ” ابتزاز ” حركة الجهاد الإسلامي لها، بقضية إطلاق سراح السعدي. وعليه فإن المستوى الأمني يتوقع بثقة أن حزب الله سيقصف كاريش ؛ وأن المطلوب من القرار السياسي الاسرائيلي ان يبادر إلى اعطاء الضوء الاخضر للمستوى العسكري والامني في اسرائيل كي يبادر الى توجه ” ضربة حربية امنية ” لحزب الله قبل أن يبادر حزب الله إلى ضرب كاريش ، وذلك بنفس الطريفة التي وجهت فيها اسراىيل ضربة حربية امنية استباقية لحركة الحهاد قبل أن تبادر الأخيرة بتوجيه عملياتها النوعية ضد إسرائيل.
وأكثر من ذلك فإن تقدير الموقف في إسرائيل يميل للاعتقاد بانه في حال بدأت إسرائيل” الضربة الحربية الأمنية”، فإن الحرب لن تكون طويلة، بل تستمر لعدة أيام فقط ( من ثلاثة أيام إلى خمسة ) كما حصل في غزة.
.. اما اذا بدأ حزب الله الحرب، فإن العمليات العسكرية قد تستمر لاسابيع ؛ ذلك ان الحزب سيطلق الطلقة الأولى مصحوبة بشروط لوقف إطلاق النار ، الأمر الذي سيجعل السقف الزمني للحرب مفتوحا ومحل اختبار كسر كل طرف لإرادة الطرف الثاني. اما في حال بدأت إسرائيل الحرب فستعلن انها حرب استباقية وستكون جاهزة في اية لحظة للقول بأن العملية حققت هدفها، وحينها من الصعب توقع أن حزب الله سيرفض الالتزام بوقف النار ، خاصة وأن النتائج التدميرية التي ستلحق به وبلبنان خلال جولة الحرب السريعة والمؤلمة، ستشكل عوامل ضغط عليه لوقف الحرب.
وامس خلال خطاب أمين عام حزب الله، ظهر ان نصر الله متحسب لإمكانية أن يكون من أهداف حرب غزة إرسال رسالة للحزب عن وجود نية لتل أبيب بتوجيه ضربة استباقية أمنية للبنان؛ وهذا ما يفسر تركيز نصر الله في خطابه امس على نقطتين اثنتين في هذا المجال :
الاولى تحذيره إسرائيل من أن تمارس نفس التدرج في حربها الأمنية ضد الجهاد الاسلامي في غزة ، حيث قال انه لن يتم السكوت على اية عملية اغتيال تحدث من قبل إسرائيل في لبنان
والنقطة الثانية تذكيرة تل أبيب بأن الحرب مع لبنان لها حسابات أخرى يجب على العدو الإسرائيلي أن يراها بوضوح، فيما لو كان يخطط للبدء بحرب قصيرة ضد لبنان وحزب الله.
كل المعطيات التي إضافتها حرب غزة الأخيرة على المشهد السياسي والأمني بين لبنان وإسرائيل ، تؤشر إلى ارتفاع كبير لإمكانية حدوث جولة قتال صاخبة في الشهر المقبل او قبله، تستمر لعدة ايام بين إسرائيل وحزب الله، وستنتهي بقرار عودة بيروت وتل أبيب للمفاوضات غير المباشرة “وغير المنتجة” في النافورة ، حول ” عدم ” ترسيم الحدود البحرية!!
وكل الفكرة هنا تتعلق بأن واشنطن قررت عدم إدخال غاد كاريش في حصة الغاز الاسرائيلي المرسل لأوروبا خلال الشتاء القادم ، وعليه لم تعد مهمة هوكشتاين بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لها أولوية لدى البيت الابيض.