كتبت كارول سلوم في “اللواء”:
كأنه مكتوب على ملف النازحين السوريين أن يتنقل من اجتماع محلي إلى آخر ومن محفل دولي إلى آخر من دون أي خاتمة معلومة له بعد. فمرة يحرك ومرة يجمد ومرة يحضر بشكل عاجل ومرة بشكل خجول، لكن من دون شك اضحى ملفا متفجرا مع العلم أن خارطة طريق وضعت له ليكون على السكة الصحيحة، لكن الاستجابة الدولية حيالها لم تكن على المستوى المطلوب، ولعل أخطر قرار هو ذلك الذي صدر عن مؤتمر بروكسل الأخير والمتعلق بدمج النازحين السوريين في المجتمعات التي تستضيفهم.
قد يسأل البعض عن اجتماعات تعقد في قصر بعبدا لهذه الغاية واجتماعات أخرى في السراي وتحديدا في لجنة النازحين، وما إذا كان هناك من تباين حول معالجة الملف، كما يسأل البعض عن غياب وزير شؤون المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين عن اجتماعي بعبدا الاخيرين، ولكن في الحقيقة يصدر نفي رسمي عن أي تباين أو تضارب في المسؤوليات فكل وزير يتابع القضية من شق معين، ومعلوم أن ثمة قرارات صدرت بشأن هذا الملف تنتظر التطبيق وبعضها ينتظر بصريح العبارة الضوء الأخضر الدولي الذي لايزال متمسكا بالإشارة الحمراء.
وبالرغم من البرودة الدولية، فإن الدولة اللبنانية تحركت ولوحظ أن المطلوب كان مضاعفة التنسيق كي لا تضيع أي محاولة هباء. ولكن هل سيكتب للمحاولة الجديدة الفشل؟ في هذا الملف المتشابك، لا يمكن التكهن بشيء على أن المحاولة تبقى أفضل من عدمها.
وحضر أخيرا ملف النازحين من جوانبه كافة لا سيما وضع هؤلاء النازحين من الناحية القانونية وكيفية تعاطي القانون مع النازح والأنظمة والبروتوكولات الموضوعة التي ترعى وضع النزوح وبالتالي تحديد أوضاعهم ومعالجته.ومعلوم أن وضع النازحين يندرج ضمن مجموعات:هناك النازح لأسباب امنية والنازح بفعل ظروف انسانية اي هربا من القصف والدمار وهناك النازح الاقتصادي الذي يتقاضى المساعدة الشهرية من الأمم المتحدة ويعود بعدها مباشرة الى سوريا. كما ان هناك النازح المرتكب للجرائم والذي صدرت بحقه أحكام بالإضافة الى النازح الذي يدير اعمالا «أنشأ شركة او مصنعا». وعلمت «اللواء» من مصادر مواكبة لهذه الاجتماعات ان الاتصالات تدور حول وضع هؤلاء النازحين والتأكد من حيازتهم على بطاقة نزوح واشارت هذه المصادر الى ان الاسباب الامنية التي أملت نزوح السوريين الى لبنان قد زالت في حين أن هناك 90 في المئة من الاراضي السورية قد اصبحت آمنة وثمة عودة للاستقرار.وسألت المصادر عن سبب عدم عودة هؤلاء الى الاراضي السورية في الوقت الذي شارك قسم كبير منهم في الانتخابات الرئاسية السورية في السفارة السورية في لبنان وقالت:كيف ان بعضهم مطلوب امنيا وشارك في هذه الانتخابات؟
وتحدثت المصادر عن وجود آليات قانونية ترعى التعاون مع سوريا في هذا المجال، وتوقفت المصادر عند دخول مجموعة من السوريين خلسة الى الاراضي اللبنانية وتغلغلهم في المجتمع، واوضحت هذه المصادر ان هذه الاجتماعات التي عقدت هدفت الى تحديد النزوح ومفاهيمه وفق القوانين المرعية الاجراء في لبنان ووفق القوانين الدولية.
ولفتت المصادر الى ان هذه الأزمة اظهرت وجود اشكال في التعاون مع مفوضية اللاجئين لا سيما انها بين الاعوام 2011 و2015 لم تسلم الدولة اللبنانية الداتا بشان دخول السوريين اما بعد ال 2015 فلم تسجل أسماء النازحين واكتفت بإعطاء رموز لهم للحصول على المساعدات. وكشفت المصادر نفسها ان التعاطي في هذا الملف من قبل المفوضية اتسم بالسلبية لناحية اتهام ما اعتبرته «تدابير تمييزية ضد اللاجئين في لبنان» ولم يعرف ما اذا كان هناك من اجتماع سيعقد مع ممثل مفوضية اللاجئين في لبنان على رغم مواقف المفوضية الاخيرة. اما موقف المجتمع الدولي فليس بمختلف ولا سيما تركيزه على ربط عودة النازحين بحل سياسي في سوريا ولفتت المصادر الى انه من الصعوبة بمكان انتظار حل يمكن أن يطول. واوضحت انه كان لا بد من تحرك سريع لتحديد الاطار القانوني والانساني للنازحين وشددت على ان هناك قرارات صادرة عن الدولة السورية تسّهل هذه العودة وذكرت في الوقت نفسه بالرحلات التي نظّمت سابقا في لبنان لإعادتهم الى سوريا بأشراف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وحينها لم يتعرض احد لهم.
وفي ظل وجود نازحين يقيمون في لبنان اياما ثم يعودون الى سوريا كانت المطالبة بإسقاط صفة النزوح عنهم الا انه لم يحصل اي تجاوب مع هذا المطلب من قبل المنظمات الدولية.
واعادت المصادر التأكيد على ان اجتماعي قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور الوزيرين عبدالله بو حبيب وهكتور الحجار واللواء ابراهيم تناولا الشق القانوني لملف النزوح وما ينص عليه القانون حول النازح.
وأشارت المصادر إلى ما خرج به مؤتمر بروكسل حول النازحين لجهة دمج النازحين في المجتمعات التي تستضيفهم ووصفت ذلك بالأمر الخطر، واشارت الى ان هذه القضية محور متابعة على اعلى المستويات وان هناك حاجة لمعالجة الموضوع.
وذكرت المصادر بالكلفة الاقتصادية التي يتكبدها لبنان جراء النزوح السوري والتي تقدر بـ45 مليار دولار. واشارت الى ان المسؤولين اللبنانيين لم يسمعوا من الوفود الاجنبية والدولية الا عبارات الثناء والشكر على رعاية لبنان ملف النازحين.
«القصة مش قصة اضطهاد»، قالت هذه المصادر، انما خلل ديمغرافي تشهده البلاد جراء هذا النزوح يضاف اليه حصول النازحين خلال الازمة على المواد المدعومة التي من المفترض ان يستفيد منها اللبنانيون. واضافت المصادر ان هذا النزوح بحاجة الى حل سريع وجذري.
وأوضحت أن رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي سيطلع لاحقا على خلاصة هذه الاجتماعات التي تستكمل في اجتماعات اخرى.
كذلك نفت وجود اي تضارب في التحرك الذي يقوم به المعنيون فلكل منهم مسؤولية محددة من بينهم وزير شؤون المهجرين الذي كلف بمتابعة التفاصيل التقنية واللوجيستية حول اتمام عودة النازحين والتواصل مع المسؤولين السوريين ولهذه الغاية سيزور سوريا نهاية الاسبوع الجاري.
لا يختلف اثنان على أن ملف النزوح السوري معقد وان النية في معالجته موجودة إنما ثمة تفاصيل هي خارج هذه النية وهذه وحدها تتطلب حلولا لم تنضج بعد.