خاص الهديل
انتهت امس ساعات من التفاوض تحت السلاح ، بين احد المواطنين المودعين الذين سرقت اموالهم واحتجزت لدى المصارف من جهة ، وبين أحد المصارف اللبنانية التي تقول ان اموال المودعين فيها، سلفتها للدولة التي سرقتها ..
وطوال فترة ساعات كان يحدث ما يمكن تسميته ب ” حوار طرشان” بين مظلوم يعترف له الجميع بأن أمواله سرقت، وبين متهم يعترف له الجميع بأنه ليس وحده المسؤول عن تبدد أموال المودعين ..
وخارج المصرف الذي تحول إلى “ميدان حرب” يذكر بعمليات احتجاز الرهائن التي كانت تنفذها المنظمات اليسارية العالمية المتطرفة في سبعينات القرن الماضي، كان يقف رجال الأمن الذين لدى البعض منهم اموالا محتجزة في المصارف، والذين أصبحت رواتبهم لا تؤمن لهم بدل ما يدفعونه من مواصلات للوصول إلى مركز عملهم.
لقد انتدبت الدولة القوى الأمنية بإسم تنفيذ القانون للحفاظ على الأمن فوق “مسرح حوار الطرشان” المستمر منذ اكثر من عامين بين المودعين المنهوبة اموالهم والمصارف التي تقول انها سلفت الدولة هذه الأموال، والاخيرة بددتها.
ومن جانبها الدولة ، فهي تمارس ” استعراض التعري “، حيث أن كل جهة منها تتهم الجهة الأخرى بأنها السارقة؛ وبحصيلة جمع التهم المتبادلة بين أحزاب الدولة، يتضح ان جميعهم باعتراف جميعهم سرقوا الدولة.
وضمن هذا المشهد كان امس المواطن المسروق بسام الشيخ حسين، وحيدا ؛ فالقانون لم يكن في صفه كونه مارس عملية احتجاز مسلحة؛ والدولة لم تكن على السمع حتى تفاوضه من موقع المسؤولة عن مواطنيها؛ والجهة التي يتهمها بسام الشيخ حسين ( فيدرال بنك)، بأنها السارقة تطلب رقم النجدة الخاص بقوى الامن على اعتبار انها مستهدفة .
وليس بعيدا عن فيدرال بنك حيث حوار الطرشان بين ” كارلوس ” اللبناني ونظام المصارف اللبناني ، توجد القصة الحقيقية ومفادها والد بسام الشيخ حسين الذي يرقد في احد المستشفيات وهو ينتظر نجله ليحرر بعض امواله المحتجزة في المصرف كي يدفعها للمستشفى الذي تقول ادارتها لوالد بسام الشيخ حسين والكثيرين من المرضى امثاله، انها لم يعد لديها القدرة على تقديم العلاج من دون حصولها على ثمنه مسبقا.
واضح ان بسام الشيخ حسين لم يتحول الى ” كارلوس” بشكل مفاجئ ، بل خلال توجهه لينفذ عملية احتجاز رهائن في المصرف ، كان مر على والده الراقد في المشفى وكان سمع من ادارة المستشفى سؤالها له عن ثمن علاج والده ، وكان ترك عائلته صباحا على وعد منه بأنه سيعمل لتأمين احتياجاتهم. وعندما وصل الى المصرف حيث توجد امواله التي اودعها لديه، بموجب عقد يقول ان المصرف سيعيدها له حينما يطلبها. اصطدم بسام الشيخ حسين بانه ليس لديه اموال في المصرف .. وحينما سأل عن السبب ؟؟؛ اجابه المصرف : لقد “طارت ” اموالك !!.
وتستمر عبر الاعلام المستنفر لتغطية ” عواجل الاخبار المثيرة” وليس “خلفياتها العميقة” ، تراجع صدى أسئلة بسام الشيخ حسين المؤثرة ، وذلك في ارجاء مسرح حدث ” عملية تحرير أموال ثمن دواء والد بسام الشيخ حسين” الذي تحول الى “مسرح جريمة” من الصعب معرفة ابن تبدأ فوق خشبته مسؤولية المذنب المعتدي و المسروق بنفس الوقت ، واين تنتهي فوقه مسؤولية المعتدى عليه والمسؤول عن تصرفات المذنب بنفس الوقت ايضا ..
ووسط مشهد يجمع كل هذه التناقضات تقوم القوى الأمنية بإسم تنفيذ القانون ، بمهمة حماية جميع الموجودين فوق مسرح حوار الطرشان في مبنى فيدرال بنك ومحيطه ( اي الدولة والمصارف والمواطن المودع والحكومة، الخ.. )..
يجري كل هذا الحوار المتاهة فيما والد المسروق بسام الشيخ حسين الذي،يمثل الجانب الأكثر وضوحا من الحقيقة الضائعة، يحتضر على سريره في المستشفى لانه لا يملك ثمن علاجه، رغم ان لدي نجله في المصرف اموالا تكفي لشفائه . فيما إدارة المستشفى تشكو ان لديها أموال مع وزارة الصحة ، وفي حال لم تحصل عليها لن تستطيع تأمين العلاج لمرضاها ، خاصة الفقراء منهم، وهؤلاء هم الاغلبية، ووزير الصحة يشكل اللجنة تلو اللجنة لحل قضية سداد مستحقات المستشفيات، ولكنه لا ينجح ، فيما البنك المركزي الملام لانه مول الدولة الفاسدة خلال العقدين الماضيين ؛ مطلوب منه اليوم ان يدين الدولة الفاشلة، والا فإنه يتهم بالتأمر على البلد وأمن المواطن..
يناور المصرف المركزي، ولكنه بالنهاية يدفع من احتياطه بالعملة الصعبة الذي أصبح حجمه صغيرا جدا. وفي هذه الاثناء يرسل رأس الدولة القاضية غادة عون لتقبض على حاكم المصرف المركزي ، فيما القضاء الأعلى يرسل وراء القاضية عون لمساءلتهاعن خرقها للقانون ولكنها لا تمتثل..
.. انها بالفعل اشبه بحلقة مفرغة تلك التي يدور داخلها بسام الشيخ حسين ومئات الاف المواطنين من امثاله.. وداخل هذه الحلقة المفرغة يحدث ان الجميع يلاحق الجميع، وكل طرف يعلن ان هناك طرفا سرق اكثر منه، ويدعي كل حوت من السارقين بان هناك حوتا اكبر منه ، وهكذا حتى نصل لقصة الحوت الأكبر الموجدين نحن جميعا ” في بطنه” .. ولكن تظل الحقيقة الواضحة او الأوضح هي تلك التي يقولها لنا والد بسام الشيخ حسين ، ومفادها ان كل لبنان موجود اليوم في بطن نظام الفساد الذي يؤدي دور ” الحوت الكبير” الذي يسرق الجميع، ويسمح للجميع بان يسرقوا بعضهم البعض.