خاص الهديل
على نحو مصغر ، يشبه وليد جنبلاط بريطانيا العظمى، وذلك لناحية ” ان المملكة المتحدة ليس لها عدو دائم، ولا صديق دائم، بل مصلحة دائمة” .. ووليد جنبلاط ” ليس لديه عدو دائم ولا صديق دائم، بل مصلحة دائمة” ، والبعض يصحح ويقول ” ليس لدى جنبلاط ؛ لا خصم ولا حليف دائم ، بل ظروف خاصة دائمة”.
.. بكل الاحوال، فإن جنبلاط داخل السماء السياسية اللبنانية، يقارب ان يكون “غيمة صيف”؛ وهو ايضا داخل فصول لبنان السياسي ، يكاد يحاكي ” شهر شباط” الذي ليس على ” كلامه رباط” كما يقول المثل الشعبي الشائع..
.. وكل ما تقدم، لا يعني ان جنبلاط هو “حالة راديكالية” او ” انقلابية” او “تغييرية “، بل يعني تحديدا انه ” حالة برغماتية” بامتياز ( الغاية تبرر الوسيلة) ، وجنبلاط نفسه لا يخفي سمته السياسية او السلوكية هذه ، بل يعتبرها من أهم ميزاته، ان لم يكن يعتبرها كل ميزاته ، وموهبته السياسية الوحيدة.
الرئيس حسين الحسيني حافظ وثائق مباحثات اللبنانيين في الطائف، يقول عن المختارة في زمن وليد جنبلاط ، انها ” اخر اقطاعية في لبنان” . وهذا يعني ان جنبلاط هو صاحب صفة ” الرفيق الاقطاعي الاخير” في المشرق، وربما في العالم كله.
.. ومع خطوته الأخيرة لتوريث نجله تيمور؛ يضيف جنبلاط لنفسه لقب اخر وهو ” ألامير الاحمر الاقطاعي”.
.. وفيما يلي، سوف يصعب استعراض كل القاب جنبلاط، بل يمكن التمعن ببعضها انطلاقا من انها تناسب مكانته السياسية الحالية : ” الأمير الذي يقوم بمغامرة توريث الزعامة” حسب ما يتبين من سلوكه في لحظته السياسية الراهنة ، و”أخر اقطاعي” على ما يقول حسين الحسيني عنه، و” الرفيق الأحمر الاقطاعي” بحسب ما تقول عن زعماء المختارة الرواية الشعبية الدرزية؛ و”المعارض و الموالي البرغماتي” و اولا واخيرا “ميكافيلي الطبقة السياسية” بحسب ما تقوله عنه كل الامثولة السياسية المستخلصة من تجربة الجنبلاطية السياسية..
ولا شك أن تعدد الالقاب السياسية التي يضيفها جنبلاط على اسمه السياسي من خلال سلوكه، تجعله يحمل على كتفيه أثقالا سياسية من المشكوك انه سيحافظ دائما على توازنه تحتها.
وفي بلد غير لبنان، كان يمكن أن تصبح برغماتية وتقلبات جنبلاط المتوقعة بشكل مسبق ، مملة او مضحكة او تهريجية ، بحيث يصبح لها معنى شخصية ” مقالب غوار ” التي ينفذها في مسلسل “صح النوم” بحق عائلة المسلسل من “حسني البرزان” و”ابو صياح ” إلى ” فطوم حيصبيص”.
والواقع ان كل واحد أفراد عائلة الطبقة السياسية واحزابها في لبنان ، ذاق في مرحلة معينة ” مقلبا سياسيا ساخنا “من وليد جنبلاط: الرئيس الحريري ذاق نصيبه، والسيد نصر الله نال حصته، وسمير جعجع “هو فيها الآن”، وحتى نبيه بري المحصن بلقاحات ضد مقالب جنبلاط، اصيب ايضا في مناسبات كثيرة، بمقالبه، ولكن الجرعة المعززة التي حصل عليها بري ضد مقالب جنبلاط، جعلته يشعر بتوعك سياسي خفيف، ومن دون عوارض .
ان اكبر خطأ يرتكبه حزب الله اليوم ، هو ان يبني سياسة مستديمة ولو لفترة قصيرة، على اساس ما أسفرت عنه جلسة كلميمنصو بين حزب الله وابو تيمور. فالعلاقة مع جنبلاط يصح عليها القول انها ” مدفع هاون قصير المدى “.. فجنبلاط الداخل اليوم في علاقة تفاهم مع نصر الله ، هو نفسه جنبلاط الخارج اليوم من علاقة تفاهم مع سمير جعجع؛ وهو ذاته جنبلاط الذي يخطط اليوم لان يخرج قريبا من علاقته مع حزب الله ليلتحق لمصلحة نجله تيمور، بعلاقة مع التغييريين فيما لو شعر بان الرياح الخارجية تميل نحوهم. والعبرة المستخلصة من كل ما تقدم، هو ان جنبلاط يتصالح او يتحارب مع ظروفه المستجدة، ولبس مع قوى او أحزاب او شخصيات.
ولكن بالمقابل فلعل اكبر خطأ يرتكبه جنبلاط حاليا في تفاهمه الراهن مع حزب الله، يتمثل بأنه يحاول ان يطبق نظريته البرغماتية في المكان الخطأ ومع القوة التي لن تتسامح نظرا لظروفها الراهنة، مع اي طرف يتسبب له بالخسائر، او يخفي وراء ظهره مفاجأة له عند أول مفترق .
.. عليه ، فإنه بمثلما ان المطلوب من حارة حريك النظر الى اخر زاروب التفاهم مع جنبلاط وليس فقط في الزينة المعلقة عند مدخله، فإنه المطلوب من المختارة ان تتبصر وهي تنظر إلى آخر مشوارها مع السيد نصر الله .
ولعل افضل من يستطيع اخبار حارة حريك عن عبر التجربة مع جنبلاط ومحاذير نهاياتها، هو سعد الحريري، ومن بعده حاليا سمير جعجع، وبالمقابل فانه لعل اكثر من يستطيع أن يخبر جنبلاط عن التجربة مع نصر الله ومحاذير نهاياتها السعيدة او الحزينة، هو جنبلاط نفسه، ويمكن له ان “يستعين بصديق”، هو نبيه بري.
لا شك أن لقاء كليمنصو هو لقاء الحاجة لكل من المختارة وحارة حريك . وتقول الحقيقة في هذا المجال انه لا وليد جنبلاط يرتاح للنوم على وسادة حارة حريك ، ولا حارة حريك الحذرة بطبعها وبتكوينها، يغمض لها جفن حينما تنام على الوسادة الجنبلاطية.. ولكن الحاجة تفرض على الطرفين ان يلتقيا في ” سهرة ارق طويلة”، قد تستمر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية ، ومن ثم سيعيد الطرفان تقويم مصالحهما من استمرار العلاقة؛ فإذا وجد جنبلاط ان قطار التفاهم الأميركي الإيراني من جهة، والفرنسي السعودي الإيراني من جهة ثانية ، ماض إلى الامام ، فحينها سوف يتأبط اكثر بذراع نصر الله ، اما الأخير ( اي نصر الله) فإنه سيحتسب علاقته مع جنبلاط انطلاقا من اتضاح المعطيات الداخلية والخارجية التي ليست بيده الان.. وبالاساس سوف يرى حزب الله ما اذا كان جنبلاط يستطيع مساعدته في إنتاج تسوية رئاسية جديدة يكون للحزب دور المايسترو فيها؟؟.
.. بالنسبة لحنبلاط فان الطريق غامض مع حزب الله ، ولكن لا يوجد أمامه طريق اخر . وكذا الحال بالنسبة للحزب ايضا !!.