كتب أكرم حمدان في “نداء الوطن”:
خلافاً لما كان يُنقل عنه في مجالسه الخاصة ولقاءاته، لجهة استعداده لتوجيه الدعوة تلو الأخرى لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية بدءاً من بداية شهر أيلول المقبل، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري، إنه لن يدعو إلى عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للبلاد حتى يقر المجلس النيابي إصلاحات تمثل شروطاً مسبقة لبرنامج الإنقاذ الذي وضعه صندوق النقد الدولي.
فما الذي تغير حتى عدّل بري موقفه أو ما كان يُنقل عنه، ولماذا هذا الربط بإقرار الإصلاحات وما هي هذه الإصلاحات وهل يُمكن أن تُنجز قبل الإستحقاق الرئاسي؟؟
يقول بري خلال لقائه الأخير مع بعض الزملاء الصحافيين إن على مجلس النواب العمل على إجازة قوانين الإصلاح في شهر آب الحالي، لأن الحاجة ملحة لهذه الإجراءات.
ومن المعلوم أن لبنان توصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي في شهر نيسان الماضي بشأن برنامج إنقاذ تبلغ قيمته ثلاثة مليارات دولار، ولكن الإتفاق الكامل مشروط بإقرار قوانين إصلاحية منها قانون إعادة هيكلة المصارف، السرية المصرفية وموازنة 2022 وخطة التعافي الإقتصادي، وقانون الكابيتال كونترول الذي لا يزال يخضع لمناقشات موسعة من خلال الجلسات التي يعقدها نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب مع عدد من الخبراء والمعنيين.
وفي حين تحدث بري عن إقرار أصعبها في الجلسة الأخيرة أي قانون تعديل قانون السرية المصرفية، لفت إلى «إمكانية تحديد جلسة للموازنة لمناقشتها وإقرارها خلال الأسبوع المقبل في حال زودتنا الحكومة بسعرالصرف الذي طلبناه مرات عدة ولم تأتِ به».
ويشرح بري عملية الربط بين إقرارالإصلاحات وانتخاب الرئيس بضرورة ملاقاة الرئيس المقبل بجو جديد يحضر الأرضية من أجل الإنطلاق بعملية الإصلاح بشكل مريح، كما أن ليس من واجبات رئيس المجلس فقط الدعوة للجلسة، وإنما أيضا إلى جانب إنهاء القوانين الإصلاحية، تأمين آلية الاتصالات بين الفرقاء للتوافق على الرئيس المقبل.
وعندما سُئل بري عن الحاجة إلى تعديل الدستور إذا كان سينتخب قائد الجيش العماد جوزاف عون للرئاسة أم أنه ممكن أن تتكرر تجربة انتخاب ميشال سليمان بلا تعديل دستوري، يجزم بأن المطلوب هو»تطبيق الدستور»، وما حصل مع تجربة العماد ميشال سليمان كان تجاوزاً للمهلة (الستة أشهر التي تفرض إستقالة قائد الجيش من منصبه قبل الإنتخاب، وهي سقطت بفعل الفراغ الرئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود) وبالتالي إذا رشّح أي ماروني نفسه للرئاسة يحق له ذلك.
إنتخاب سليمان وفتوى المادتين 73 و74 من الدستور
وكان الرئيس ميشال سليمان إنتخب في جلسة عقدت بتاريخ 25 أيار 2008 وسط حضور عربي ودولي لافت، وقد صوت 118 نائباً من الموالاة والمعارضة لصالح إنتخابه رئيساً مقابل 6 أوراق بيضاء.
وكان النواب حينها بطرس حرب وحسين الحسيني ونائلة معوض وجورج عدوان استهلوا جلسة التصويت بإعلان تأييدهم لانتخاب سليمان رئيساً، لكنهم أبدوا تحفظهم على عدم إجراء التعديل الدستوري المطلوب لذلك، فرد بري بالقول إن انتخاب سليمان دستوري بحسب المادة 74 المرعية في هذا الإجراء.
وكانت الذريعة في الاحتكام الى المادة 74، في أن المادة 73 تتحدث عن إنتخاب الرئيس في المهلة الدستورية التي تسبق إنتهاء ولاية السلف، شهر على الأقل وشهران على الأكثر، يلتئم المجلس خلالها، بينما تتناول المادة 74 خلو منصب الرئيس بسبب الوفاة أو الإستقالة أو أي سبب آخر، ما يحتم الإجتماع للحال دونما دعوة من رئيس المجلس حتى.
وكان تحديد المواعيد التي استمرت على مدى 20 دعوة، ينطلق من الدعوة الأولى التي وجهها بري إلى النواب عملاً بأحكام المادة 73، مع ذلك ذهب مجلس النواب إلى المادة 74 كي يتنصل من تعديل المادة 49.
ومن المعروف أن انتخاب قائد الجيش لرئاسة الجمهورية يحتاج الى تعديل للمادة 49 من الدستور التي تمنع موظفي الفئة الأولى من أن ينتخبوا في هذا الموقع.
ومعلوم أن تعديل الدستور يجب أن يمر بالحكومة، إما باقتراح قانون من عشرة نواب يقرّه المجلس النيابي بالأكثرية الموصوفة دستورياً أي بالثلثين ليُحال إلى مجلس الوزراء الذي يفترض أن يقرّه بدوره بالثلثين ليعيده إلى المجلس، وإمّا مشروع قانون مقرّ بثلثي مجلس الوزراء إلى مجلس النواب.
وفي كلا الحالتين كان الأمر مرفوضًا من بري لأن التعديل سيمر بالحكومة التي كان يعتبرها في حينه «غيرميثاقية» و»غيردستورية» بسبب إستقالة الوزراء الشيعة منها مع الوزير يعقوب الصراف (حكومة الرئيس فؤاد السنيورة).
وقد رفض بري كل «الفتاوى»التي ستمر من خلال الحكومة بما فيها «الفتوى» التي أعطاها الرئيس حسين الحسيني بـ»تعليق» العمل بإحدى فقرات المادة 49 بعدما تبين أن التعديل أو التعليق يجب أن يمرّا بالحكومة.
وكان النائب الراحل ورئيس لجنة الإدارة والعدل حينها روبيرغانم قد أعد إقتراحاً لتعديل المادة 49 من الدستور كي يسمح بانتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية في نهاية العام 2007 لكنه لم يسلك مساره القانوني والدستوري.
وإعتمد بري على»فتوى» أوجدها النائب بهيج طبارة في المادة 74 من الدستور التي تقول:»إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر، فلأجل إنتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون، وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الإنتخابية دون إبطاء، ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الإنتخابية».
ويتلخص إقتراح طبارة بالعمل بهذه المادة، ما يسمح بانتخاب رئيس للبلاد دون المرور بآلية للتعديل الدستوري.
لقد قال بري أكثرمن مرة سابقاً إن النصاب لافتتاح الإنتخاب هوالثلثان وإلّا لا إفتتاح ولا انتخاب، فهل واقع حال العماد جوزاف عون سيكون كحال العماد ميشال سليمان وتجرى عملية الإنتخاب دون تعديل المادة 49 من الدستور؟ وماذا عن واقع حال الحكومة الحالية كحكومة تصريف أعمال؟؟ وهل سيمتد الفراغ في حال حصوله ليساوي مرحلة الفراغ التي سبقت إنتخاب العماد ميشال سليمان أم التي سبقت إنتخاب العماد ميشال عون؟
في الخلاصة، لا يبدو أن هناك نية لتطبيق الدستور والإحتكام إليه في الإستحقاقات الكبرى ومنها إستحقاق إنتخاب رئيس الجمهورية، فغالباً ما نأتي بالنتيجة ونمليها على المؤسسات، ولا تطبق الآليات الديموقراطية إلا بعد الإتفاق السياسي خارج الآليات الدستورية، فتأتي الآليات الدستورية لتحتضن الإتفاق السياسي.
ففي الدوحة، تمّ الإتفاق خارج لبنان، ثم أملي على المؤسسات الدستورية، ولعبة التعطيل ستؤدي إلى تعطيل العمل بالدستور، وبالتالي خراب البلد.