كتبت النهار:
خلت الساحة السياسية مع عطلة نهاية الأسبوع من كل التحركات المتصلة بملف تشكيل الحكومة أو بالملفات المالية والمعيشية فيما بدا واضحاً أن الاستحقاق الرئاسي وحده بدأ يحتل الحيز الأكبر من المشهد الداخلي سياسياً وإعلامياً. وهو واقع مرشح للتفاعل تباعاً في الأيام العشرة الأخيرة من الشهر الحالي قبل أن تحل بداية المهلة الدستورية لاستحقاق انتخاب رئيس الجمهورية الجديد منتصف ليل 31 آب – الأول من أيلول والتي ستدخل البلاد معها مرحلة مفصلية ومصيرية جديدة بكل المقاييس. ولعل تصاعد حماوة العد العكسي للمهلة الدستورية وسط الغموض الواسع الذي يغلّف المعركة الرئاسية شكل عاملاً من عوامل إعادة إذكاء جولات التساجل الإعلامية حول الاستحقاق خصوصاً بين الكتلتين المسيحيتين الأساسيتين أي “القوات اللبنانية ” و”التيار الوطني الحر” في حين يتسم تعامل القوى الأخرى مع الاستحقاق بالكثير من الحذر والترقب. وليس خافياً أن الأنباء المتواترة عن تطورات المفاوضات المتصلة بالملف النووي الإيراني أحدثت تأثيراً في حالة الترقب التي تسود معظم الأوساط اللبنانية إذ على رغم بعض المواقف التي يستبعد أصحابها تأثير هذا الملف الدولي – الإقليمي على واقع لبنان واستحقاقاته وازماته فإن ذلك لا يحجب توقع الكثيرين داخلياً وخارجياً أن يكون لإبرام اتفاق جديد حول الملف النووي انعكاسات غير قليلة على المنطقة ومن ضمنها لبنان.
في هذا السياق بدا لافتاً أمس الموقف الذي اتخذه رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع رداً على “أهم وأكبر الصحافيين في لبنان الذين يكتبون يومياً في مقالاتهم تحليلات مفادها أنه لم تتضح الصورة بعد بالنسبة إلى ما ستؤول إليه الأمور في موضوع انتخابات رئاسة الجمهوريّة لأنه لم تأت “كلمة السر” من الخارج بعد” . وقال “إلا أنه بالنسبة لي وهذه هي الانتخابات الرئاسيّة الخامسة التي أواكبها عن كثب، لم أفهم عن أي “كلمة سر من الخارج” يتكلمون؟”. وشدّد على أن “لا أحد في الخارج يبالي أساساً إن حصلت انتخابات رئاسة الجمهوريّة في لبنان أو لم تحصل، وفي حال حصولها لا يبالون من سيكون الرئيس العتيد، ولدى الخارج تمنيات لا أكثر ولا أقل، فكل دولة يهمها أن يصل إلى سدّة الرئاسة رئيس لصالحها، ولكن بماذا يمكن للخارج ان يؤثر؟ الإيرانيون يمكنهم أن يؤثروا في هذا الاستحقاق من خلال “حزب الله” الذي لديه الكتلة النيابيّة إلا أنه بالنسبة لباقي الدول فكيف بامكانها التأثير؟ انطلاقاً من هنا من يحدد وجهة انتخابات الرئاسة هم الأفرقاء المحليون وإيران فقط من بين الدول الخارجيّة يمكنها أن تؤثر وذلك حصراً من خلال “حزب الله”، لا أكثر ولا أقل، ولو كان للحزب نائبان فقط لكان حجم تأثيرها يوازي نائبين فقط”.ورأى جعجع ان : “أمامنا ثلاثة أشهر صعبة والسؤال اليوم إذا ما سنتمكن من إيصال رئيس بالحد الأدنى المقبول، يكون قادراً على اتخاذ بعض القرارات وأن يكون باتجاه سيادي وأن يكون إصلاحيّاً ومن أصحاب الأخلاق الحسنة، لأن الإتيان برئيس من دون طعم أو لون أو رائحة لمجرد أن يسكن في قصر بعبدا وألا يقوم في نهاية المطاف بأي شيء هو بمثابة من لم يقم بأي شيء أساساً”.
وأوضح أن “الوضع صعب إلا أنه لا زال في الإمكان القيام بشيء ما، والأمر الوحيد الذي يمكن أن أقوله في الوقت الراهن هو أنه أصبح من المحتمل عدم وصول رئيس من فريق “8 آذار” إلى سدّة الرئاسة، وهذا الأمر يمكن أن يعتبر 50% من المهمّة، أما النصف المتبقي فهو يكمن في الإتيان برئيس قادر على المواجهة والوقوف ثابتاً عند مبادئه وقناعاته وقادر على أتخاذ المواقف ولو بالحد الأدنى، لأنه في حال لم نقم بالإتيان برئيس مماثل فالأمور لن تتغيّر، من هنا نطالب برئيس “يكون على قد حاله” ويبادر إلى فكفكة كل هذه التركيبات وقلب مسار الأمور بالاتجاه المعاكس، ماذا وإلا، لن تسير البلاد باتجاه الإنقاذ وسيبقى كل شيء على ما هو عليه”.
وسرعان ما بادر على الأثر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى الرد على جعجع فقال في كلمة القاها في مخيم كشفي متوجهاً إلى “القوات”: “أنتم لا تهاجمون إلا الأوادم، ولا تستطيعون إلا مواجهتهم، ولا تعملون إلا لإسقاط التيار”. وأضاف: “مشروعكم الوحيد: إسقاط عون وجبران والتيار… مشروعكم شتائم وتحريض وتهجم، ولا تطرحون الإيجابيات؛ بل السلبيات”. وأضاف باسيل: “ليس لديهم مشروع كهرباء… مشروعهم في الكهرباء هو إسقاط مشروع التيار، لا مشروع لديهم في المياه… مشروعهم إسقاط سدود التيار، لا مشروع لديهم بالغاز والنفط والأنابيب ومحطات التغويز؛ بل مشروعهم فقط إسقاط مشروع التيار”. وتابع: “ليس لديهم أي مشروع أو برنامج لرئيس؛ بل رئيسهم هو رئيس تحدٍّ لجبران والتيار”. واتهم باسيل “القوات” بأنهم “يريدون رئيساً يقوم بعكس ما نقوم به، أي أنهم يطلبون رئيساً يتخلى عن الشراكة والتمثيل والميثاقية والمناصفة في الإدارة، وعن الإصلاحات”، وأضاف: “وعدوا الناس بأن الأزمة تحل بالانتخابات… حصلت الانتخابات وبدل أن ينخفض الدولار ارتفع، واليوم يعدون الناس بأن الحل هو في الانتخابات الرئاسية وليس لديهم مشروع لرئيس… بل مشروعهم هو التحدي والنكاية”.
واتهم باسيل جعجع بأنه “باع صلاحيات رئيس الجمهورية في اتفاق الطائف نكاية بالعماد عون، واليوم بعد 32 سنة يبيعون التمثيل في الموقع الرئاسي نكاية بالتيار وجبران”.
وعلى الأثر أصدرت الدائرة الإعلامية في “القوات اللبنانية ” رداً عنيفاً على باسيل مما جاء فيه “اعتبر باسيل أنّ “جماعة فينا وبدنا ما فيهم إلا على الأوادم” فعن أيّ “أوادم” يتكلّم؟ هل عن أولئك الذين أهدروا 40 مليار دولار في سياسات العجز والعلّة والبواخر المشبوهة في قطاع الطاقة؟ أو عن الأوادم الذين أصرّوا على بناء سدود فاشلة ومتضاربة مع الدراسات العلمية ويواصلون تغطيتها بإقرار تمويل مضاعف من دون تقدّم يُذكر؟ هل قصد باسيل الأوادم الذين تمّت معاقبتهم من الخارج بسبب فسادهم الموثّق وممارساتهم السوداء داخل مؤسّسات الدولة والذين جيّروها لصالح المقرّبين في سوق البازارات التنفيعية رافضين اعتماد أدنى مستويات الشفافية والنزاهة مع آليات التعيين القانونية والأجهزة الرقابية؟ … لذا فليعلم هو مَن فوقه ومَن خلفه بأنّ حزب القوات اللبنانية لن يتردّد لحظة عن مواصلة حربه ضدّ هكذا آدمية، لا تخجل ولا تشعر بأوجاع الناس”.
وأضافت: “ماذا تفعل يا باسيل؟ ماذا تُعلّم الأجيال الشابة؟ هل تُعلّمهم الكذب والخديعة حفاظاً على مدرستك؟ هل تُعلّمهم أنّ كتلة من 17 نائباً من ضمنهم 4 أتوك كهدية مباشرة هي أكبر من كتلة 19 نائباً بالأصوات الصافية؟ هل تُعلّمهم أنّ المُعاقَب دولياً بالفساد هو مثال يُحتذى به؟ وأنّ هدر أموال الخزينة على الصفقات هو باب التقدم والتطور وبناء الذات؟ أو أنّ العودة إلى لغة الحرب والاقتتال والطائفية هي وسيلة قوّة وإثبات وجود؟”.
وأردفت: “يُقال إن لم تستحِ فاصنع ما شئت، فما بالك في زمنٍ يحتاج فيه الناس إلى بصيص نورٍ وأنتَ لا تفقه إلا إنتاج العتمة؟ لكَ يا ابن العهد عتمتك ولغتك وصناعتك ولنا مستقبل أولادنا وثقة مجتمعنا وأمانة أبطالنا الذين لا يليق العهد إلا بهم، لأنّهم أمناء أنقياء لا يخونون، لا يبيعون ولا يشترون”.
وفي السياق الرئاسي أيضاً، وغداة خلوة “نواب التغيير” التي انتهت بتكليف النائبين ميشال الدويهي وملحم خلف بتحضير وثيقة وإنجاز صياغة المبادرة الرئاسية لإطلاقها في بداية أيلول مع بدء المهلة الدستورية، أشار النائب مارك ضو إلى “أن الخلوة تمحورت بشكل أساسي حول الاستحقاق الرئاسي وكان الاتفاق على خطوط عريضة للتحضير لمبادرة تضم نقاطاً أساسية”. وقال: “نعمل على طرح مبادرة ترسم إطار أولويات العهد المقبل لننشئ حاضنة سياسية له تعيد دور رئيس الجمهورية كحكم بين الرئاسات”. وقال: “للاستحقاق الرئاسي خطورة ودقة تجعل النواب التغييريين يتوحدون ليكون لديهم صوت واحد”. واعتبر أن “هناك تطوراً لطريقة مقاربة الأمور لدى النواب التغييرين، فنحن الأقرب في وجهات النظر فيما بيننا ولكن نتمايز في بعض الملفات لأننا لسنا حزباً حتى في موضوع السلاح، لن نطرح مرشحاً تغييرياً من فريقنا فقط، بل سنفتح من خلال مبادرتنا حوارات مع كتل أخرى للتوصل إلى نقاط مشتركة”. وشدد على أنهم كنواب تغييريين مع فكرة أن تتجمع المعارضة، ولكن لا اتفاق حتى الآن بين النواب التغييريين على تموضع القوات اللبنانية. وقال: “لا أعتقد أننا سنختلف مع القوات على مواصفات الرئيس ولكن علينا أن نرى إن كنا نتوافق على شخص الرئيس. فعلياً القوات هي الكتلة المسيحية الأكبر وليس التيار الوطني الحر خصوصاً وأن حزب الله جير لحليفه أصواتاً كثيرة، وبالتالي ما يدعيه باسيل بأنه الكتلة المسيحية الأكبر فتوى جديدة منه، فلولا ضغوط حزب الله ومساعدته لكان خسر مقاعد عدة وأعتقد أنه لم يكن لينل بقوته الذاتية أكثر من تسعة نواب”.
في المقابل اعتبر رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد أن “لكلّ فريق في لبنان أن يستخدم حقّه القانوني والدستوري في التصرف إزاء الاستحقاق الرئاسي، لكن وفق رؤيتنا لموازين القوى السياسية والنيابية والدستورية في هذا البلد ووفق تقديرنا للمصلحة نحن ندعو الجميع للحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد من خلال الإسراع في إنجاز هذا الاستحقاق وإيصال رئيس جمهورية جديد إلى قصر بعبدا”. وقال: “نحن من جهتنا نتوق إلى أن يبقى البلد جاهزًا لمواجهة الاستحقاقات المعادية التي تتهدّدُنا من عدوّ خارجيّ، والفراغ الدستوري يُضعف الموقف الوطني في مواجهة التهديدات الخارجية لذلك نأمل أن تحدث ومضات رحمانية لدى الجميع وأن يحاولوا التوصّل إلى إنجاز هذا الاستحقاق في وقته