بعدما فاجأت إنعطافة رئيس الحزب “التقدميّ الاشتراكيّ” وليد جنبلاط تجاه “حزب الله” الأوساط السياسيّة، عادت الأنظار نحو النواب السنّة “المعارضين”، أو ما يُسمّى بتكتل “الإعتدال الوطني”، وبعض حلفائهم من نواب طرابلس، وبيروت، والبقاع، والذين كانوا من نواب تيّار “المستقبل” أو محازبين ومقرّبين منه، أو آخرين معارضين للرئيس سعد الحريري، وخصوصاً قبل أيّام قليلة من إمكانيّة دعوة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، للجلسة النيابيّة الأولى، لانتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهوريّة، إذ يرى مراقبون أنّ عدد هؤلاء النواب حاسم، في أيّ إستحقاقٍ دستوريّ ونيابيّ.
ويُشكّل النواب السنّة وحلفاؤهم، ضمن فريق “المعارضة” 11 نائباً، وهم من تكتّل “الإعتدال الوطني”: أحمد الخير، وليد البعريني، محمد سليمان، سجيع عطيّة، عبد العزيز الصمد وأحمد رستم. فيما هناك تفاهم بينهم وبين النائب الطرابلسيّ أشرف ريفي، ومع النائب البقاعيّ بلال الحشيمي، ونواب بيروت السنّة فؤاد مخزومي، ونبيل بدر ومحمد الحوت.
وقد بدأ التنسيق في ما بينهم حول الإستحقاق الرئاسيّ من خلال الإجتماعات في دارتيّ بدر ومخزومي، ومن خلال زيارة النائبين وليد البعريني وبلال الحشيمي لدار الفتوى، نهار الخميس الماضي، والتي كانت مُلفتة، حيث يُفسّر مراقبون أنّ اللقاء هو لأخذ رأيّ مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة الشيخ عبد اللطيف دريان، حول المواصفات الرئاسيّة التي يتمنّى أنّ تتوفر في المرشّح التي ترغب دار الفتوى وصوله إلى بعبدا. فلا يُخفى على أحد أنّها تُحبّذ وصول شخصيّة سياديّة، كيّ لا يتكرّر السيناريو الحالي، ووسطيّة، لتلافي المشاكل السياسيّة، وخصوصاً مع الطائفة السنّية، التي يرى المراقبون أنّها تأثّرت كثيراً في ولاية الرئيس ميشال عون.
وبالعودة إلى النواب الـ11، فقد سبق وانقسمت آراؤهم في الإستشارات النيابيّة الملّزمة الأخيرة، ما يطرح عدّة علامات إستفهام حول عدم تمكّنهم من التوافق حول شخصيّة رئاسيّة موحّدة. ويقول مراقبون إنّه لا يُخفى على أحد أنّ بعضا من نواب الشمال السنّة يدعمون رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة، فكان الرئيس الحريري، قبل إعتكافه عن المشاركة في الحياة السياسيّة، سينتخبه، وكان داعماً له في العام 2016، ولكّن ظروف التسويّة آنذاك، أفضت إلى التوافق على إنتخاب عون. ويُتابع المراقبون أنّه بين إنتخاب فرنجيّة ورئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” النائب جبران باسيل، من الثابت أنّ النواب السنّة: وليد البعريني ومحمد سليمان وأحمد الخير وعبد العزيز الصمد سينتخبون فرنجيّة، لأنّه توافقيّ، ولم يُعادِ الطائفة السنّية، من ناحيّة الخصومة مع “المستقبل”، كما فعل فريق “العهد” طيلة الفترة الأخيرة. ويُشير المراقبون إلى أنّ النائب العلوي أحمد رستم، والنائب الارثوذكسيّ سجيع عطيّة من المرجّح أيضاً أنّ يسيرا بالقرار عينه.
ويُضيف مراقبون أنّ الإحتمالات تبقى مفتوحة، بانتظار إعلان بقيّة الأفرقاء التي تتشاور في ما بينها، عن تقديمها مرشّحيها، فإذا كانت وسطيّة، واختارت إسماً غير فرنجيّة، فحظوظ الأخير ستتدنّى، وعندها، سيكون تصويت نواب “الإعتدال الوطني”، حكماً بورقة بيضاء، أو السير بمرشّح “المعارضة”، أو تثبيت موقفهم الداعم لرئيس “المردة”.
ويلفت مراقبون إلى أنّ الإتّجاهات السياسيّة تختلف بين النواب الـ11، فإذا كان نواب عكار ونائبا طرابلس أحمد الخير وعبد العزيز الصمد يُؤيّدون فرنجيّة، فحليفهم أشرف ريفي، ومعه فؤاد مخزومي يُشدّدان على وصول رئيسٍ سياديّ فقط، وقد انضما وحدهما إلى إجتماعات نواب “المعارضة”، فيما من الملفت أنّه تمّ إسبتعاد باقي النواب السنّة، فلا يزال البعض يعتبرهم أنّهم كانوا من المنظومة السياسيّة، وان “المستقبل” شارك فريق “العهد” في الحكم. ويسأل المراقبون “إذا سمّت “المعارضة” ومعها ريفي ومخزومي مرشّحها، هل سيُصوّت له نواب “الإعتدال الوطني”؟
ويُشير مراقبون إلى أنّ بعض هؤلاء النواب يلتقي في العناوين الرئيسيّة مع “القوّات اللبنانيّة”، والبعض الآخر يُخالفها تماماً، وخصوصاً بعد الفتور في العلاقة بين معراب والرئيس الحريري، وصولاً إلى غياب التنسيق مع “صقور المستقبل” في الإنتخابات النيابيّة الأخيرة. ففيما تُعارض “القوّات” وصول فرنجيّة أو أيّ مرشّحٍ غير سياديّ مقرّبٍ من “حزب الله” وإيران وسوريا، فإنّ ريفي ومخزومي، يلتقيان معها في هذه العناوين، بينما تكتّل “الإعتدال الوطني” يرى الأمور من منظار التحالفات القديمة لـ”المستقبل”، تماماً مثلما حدث في انتخابات رئيس مجلس النواب، وتسميّة رئيس الحكومة المكلّف.
من هنا، يختم مراقبون أنّ تشكيل كتلة جامعة من هؤلاء النواب الـ11، وخصوصاً إنّ كُتب التوافق في ما بينهم حول إسم المرشّح لرئاسة الجمهوريّة، ستكون “بيضة قبان” في المجلس النيابيّ، وفي ترجيح وصول الشخصيّة التي سيدعمونها، فـ”المعارضة”، وفي مقدّمتها “القوّات” تتمنّى أنّ يكون صوتهم مفاجئاً لجهّة إنتخاب رئيسٍ “سياديٍّ”، بينما “حزب الله” سيُحاول إقناع جنبلاط الرافض بتبنّي ترشّيح شخصيّة مقرّبة من 8 آذار، بدعم فرنجيّة، فعينه بحسب المراقبين على أصوات تكتّل “الإعتدال الوطنيّ”، الذي سبق نوابه وانتخبوا برّي. ويُضيف المراقبون أنّه بمجرّد إعلان فرنجيّة ترشّحه، سترتفع أسهمه الرئاسيّة أكثر، وسيضغط “الحزب” على حلفائه وخصومه الذين يتحاور معهم، لكسر الجمود الرئاسيّ، الذي من المتوقع أنّ يطول، في ظلّ غياب أكثريّة قادرة على الحسم، وإذا لم يتوصّل الأفرقاء إلى تسويّة سياسيّة جديدة، في القريب العاجل.
كارل قربان