الهديل

الرئيس بري… عندما يتحدّث عن الإمام المغيّب…

كتب عوني الكعكي:

من مدينة صور… وعلى منبر في أجمل ساحة على شاطئ البحر الأبيض المتوسّط، هذه المدينة التي لا تبعد عن حدودنا مع العدو الاسرائيلي سوى رمية حجر… وفي الهواء الطلق… وأمام حشد كبير من الجماهير، من النادر أن يستطيع قائد أو زعيم جمعها… هذه الجماهير التي كانت «على مدّ عينك والنظر» الوفية للإمام المغيّب، المخلصة لقائدها دولة الرئيس نبيه بري.. استمعت الى ما قاله القائد بتأنّ شديد.

الخطاب الذي ألقاه دولته أعاد الذاكرة الى الاجتماع الأوّل الذي دعا إليه سماحة الإمام المغيّب موسى الصدر لإنشاء مجلس يرعى شؤون الطائفة الشيعية أسوة بالطوائف الأخرى. وفي مؤتمر صحافي عقده في بيروت بتاريخ 15 آب عام 1966… بيّـن ما تعانيه الطائفة مطالباً بإنشاء مجلس خاص لها… فقدّم نواب الطائفة الشيعية اقتراح قانون بالتنظيم المنشود، أقرّه مجلس النواب بالإجماع في جلسة السادس عشر من أيار عام 1967. وبتاريخ 23 أيار عام 1969 انتخب الإمام السيّد موسى الصدر أوّل رئيس للمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، وكان مقر المجلس في الحازمية.

وأتساءل: لماذا عُدْت بالذاكرة الى ذلك الاجتماع وتلك المحطات..؟

أعترف بأنّ دولة الرئيس نبيه بري هو في الحقيقة بمثابة ابن الإمام المغيّب… وهو المحافظ بما أوتي من قوّة على فكره وخطه السياسي ونهجه.. وأهم ما فيها: حرصه على التعايش والمحبة بين المسلمين والمسيحيين.. وباختصار شديد أقول: هذا هو لبنان..

فما يجمع اللبنانيين كل اللبنانيين بغض النظر عن مذاهبهم وأديانهم هو الولاء للوطن وللجيش.

المهم أن نحب بعضنا البعض، لا أن ننتقم من بعضنا كما يحصل الآن، بفتح ملفات ملفّقة عن طريق قاضية تعطلت التشكيلات القضائية من أجل إبقائها في مكانها لتعمل من أجل تنفيذ أحقاد وانتقامات بحق الناجحين في الوطن.

فكان دولته حاسماً وواضحاً أمام كل جهابذة الاجتهادات الدستورية حول الفراغ الدستوري، وحول قضية ان الرئيس لا يستطيع أن يترك قصر بعبدا إذا لم تتألف حكومة، والبعض الآخر يذكرنا بتاريخ فخامة الرئيس في قصر بعبدا، وكيف تمرّد رغم كل الإغراءات والدعوات في عامي 1988 و1989 من أجل فك أسْر قصر بعبدا وأن يقبل بتسليم القصر الى المرحوم الرئيس الياس الهراوي الرئيس المنتخب الجديد يومذاك.

حسمها الرئيس بري في خطابه بقوله إنّ المجلس النيابي هو الوحيد المؤهّل لتفسير الدستور ولا سلطة غير سلطة المجلس النيابي يمكنها ذلك.

النقطة الثانية التي تحدّث عنها الرئيس بري كانت موضوع النفط والغاز والحدود المتنازع عليها مع العدو الاسرائيلي. في الحقيقة ان هذا الملف، ومنذ اللحظة الأولى، كان بيد الرئيس بري، وكان يعرف بإتقان كيف يجب التعامل معه ضمن الشروط التالية:

أولاً: لا لقاء مع العدو الاسرائيلي إلاّ ضمن المنطقة المحايدة في الناقورة.

ثانياً: الوفد اللبناني يجب أن يكون برئاسة وعضوية ضباط في الجيش اللبناني.

ثالثاً: الوفد الاسرائيلي أيضاً يجب أن يكون وفداً عسكرياً.

رابعاً: أن يكون الاجتماع بوجود الأمم المتحدة.

خامساً: لا مانع من وجود ممثل لأميركا، خاصة وأنّ العدو لا يُذعن إلاّ للأميركيين.

أمام هذا المنحى استطاع لبنان أن يصل الى شبه اتفاق مع العدو الاسرائيلي بالرغم من أنّ تاريخ العدو مع الاتفاقات غير مشجّع، لا بل شبه مستحيل. وبالإشارة الى حقوق لبنان في الارض والغاز والنفط اعتبرها دولته مقدّسة.

أمّا بالنسبة لعهد «ما خلونا»، فصحيح أنّ دولته تأخر، ولكن علينا أن لا ننسى أنه كان أوّل رجل في العالم حذّر من مجيء فخامة الرئيس عون الى الحكم حين زاره فخامته قبل الانتخابات طالباً تأييده، فكان جوابه الرفض قائلاً له: «لا أستطيع أن أنتخب رئيسين، فخامتك وفخامة صهرك»، فعلاً كم كان الرئيس بري بعيد النظر وعلى حق… وليتهم فهموا وسمعوا جيداً ما قاله.

لا شك في أنّ هذا العهد هو أسوأ عهد في تاريخ لبنان، ولا حاجة لوصف الحال التي وصل إليها لبنان.

مَن يصدّق أنّ سعر الدولار صار فوق الـ30 ألف ليرة، وهو يلامس اليوم الـ34 ألفاً؟

مَن يصدّق اننا صرفنا 65 مليار دولار على الكهرباء التي كان الصهر العزيز الصغير مسؤولاً عنها ولا توجد ساعة تغذية كهرباء واحدة؟

مَن يصدّق ما تفعله قاضية غير موزونة منتهكة كرامات رجالات خدموا الوطن وضحّوا بالغالي والنفيس من أجل الحفاظ على استقرار العملة الوطنية لمدة 27 سنة… … إذ كان سعر صرف الدولار ثابتاً على 1507 ليرات؟

مَن يصدّق تصريحات فخامته وفي آخر عهده انه يريد إصلاحاَ؟

ماذا يريد أن يصلح؟ وهل أبقى صهره شيئاً ليصلحه؟ هل يريد أن يصلح الكهرباء من خلال محطة «تغويز» في سلعاتا؟ أم يريد أن يستعيد الأموال التي بُدّدت على السدود و «ما في سدود وما في مياه»..؟

أخيراً… التاريخ لن يرحم، وما فعله فخامة الرئيس ومعه صهره العزيز الصغير، لا أحد يمكن أن يصدّقه. على كل حال كل ما نتمناه أن تكون هناك محاسبة، ولو بعد حين. لأنّ ما فعله فخامته يجب أن لا يُسامَح عليه أبداً… فالله تعالى يُـمْهِل ولا يُهْمل

*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*

Exit mobile version