زياد شبيب / النهار ٢ أيلول ٢٠٢٢
“إن الحيلولة المتعمّدة دون انتخاب رئيس الجمهورية هي بمثابة تعطيل للنظام وانقلاب عليه”. قالها حسن الرفاعي في دراسة أعادت نشرها “النهار” أمس فأصاب القول وأحسن الوصف. وأضاف “أن الزعم أن التغيّب هو حق ديموقراطي هو قول باطل، ويشكل حتماً مخالفة للدستور. فأي حق هو هذا الذي يؤدي الى تعطيل مسيرة الدولة والنظام؟!…
كُتب الكثير وما يزال يُكتب حول انتخاب رئيس الجمهورية واستُحضِرت النصوص والقواعد الدستورية لدعم التفسيرات التي لا تذهب دائماً في التوجّه نفسه ولا تصب في اتجاه خلاصات واحدة مستخرجة من معاني النص الحقيقية. والسبب ليس الغموض أو عدم الوضوح في النص أو الالتباس في أحكامه، بل لأن الرغبات وميول المفسّرين، من حقوقيين أو سياسيين، هي التي توجّه الأقلام وتضع النتيجة المطلوبة قبل المنطق الذي يدعّمها. ولهذا قيل وما يزال يقال أن الدستور أصبح وجهة نظر. أما هو فليس كذلك.
القوة تتغلّب على الدساتير والقوانين وتفرض عدم تطبيقها أو تفرض اتجاهاً معيناً في التطبيق. ويتم تغطية ذلك بإطلاق الشك أولاً حول معاني النص وهو يكون واضحاً، ومن ثم بإثارة انقسام سياسي حول نتائجه، ليصار إلى فرض التطبيق الذي يصب في مصلحة الفريق الأقوى. هذا ما حصل في السنوات الماضية في أكثر من استحقاق أبرزها انتخاب الرئيس العام 2008 والعام 2016.
بالأمس انطلقت مهلة انتخاب الرئيس وتزامن ذلك مع انطباع متجدّد، خاطئ وخطير، بأن عدم الانتخاب احتمال ممكن يتيحه الدستور، تبعاً لما حصل في المرات السابقة، وهذا أقل ما يقال فيه أنه انقلاب. فالدستور وضع كل القواعد التي تؤمّن الانتخاب وتجعل منه أمراً وجوبياً في مواد واضحة صيغتها آمرة.
المادة 73 من الدستور نصت على أنه: “قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الاقل أو شهرين على الاكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد.
واذا لم يُدعَ المجلس لهذا الغرض فانه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس”.
أي أن اجتماع المجلس لانتخاب الرئيس لا يمكن أن يحول دونه غياب الدعوة من رئيسه، وعلى جميع النواب أي يحضروا في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء الولاية لأن المجلس يكون ملتئماً حكماً، أي دون دعوة ولا يحتسب فيها نصاب. ويجب على من يرأس تلك الجلسة، رئيساً أو نائب رئيس، أن يديرها ويُحصي الأصوات ويُعلنها في دورات اقتراع لا تنتهي حتى نيل مرشّح ما أكثرية مطلقة.
“إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة او اي عمل آخر”. كما تقول المادة 75. لذا، لا يوجد في الدستور جلساتٌ لانتخاب رئيس، بصيغة الجمع. توجد جلسة واحدة تنعقد بدعوة رئيسه وإلا حكماً في اليوم العاشر، وهي تبقى منعقدة حتى خروج الدخان الأبيض.
ليس المقالُ اليومَ دراسةً إضافيةً في هذا الصدد لأن القول الحقوقي استُنفد ولا طائل من المقارعة بالحجة ما دام المنطق السائد هو منطق القوة. الغاية فقط التنبيه مما هو آت علّهم يستدركون. وتنبيه المستثمرين بالتعطيل بأن هذا فعل انقلاب. ولمن اشتكى منه بالأمس لئلّا يسوّغَه لنفسه اليوم.
“القوة تهيّئ للقوة، والحكم الذي لا يستند إلى غير القوة يظل استمراره رهناً بعدم توافر قوة أقوى منه تنتصب في وجهه.”
(غسان تويني “منطق القوة، أو فلسفة الانقلابات في الشرق العربي” 1954).