كتب منير الربيع في “المدن”:
باستثناء المبادرة التي أقدم عليها نواب التغيير بشأن رئاسة الجمهورية، والطروحات التي تضمّنتها، بما تحتويه من مواقف متقدّمة تعيد الاعتبار إلى معنى “البرنامج الانتخابي” للمرشحين الرئاسيين.. لا يظهر على الساحة اللبنانية أي تحرك جدّي في مسار انتخاب رئيس للجمهورية. جلّ ما يجري هو بعض اللقاءات والهمسات في الكواليس بين مرشحين طامحين، أو نواب يسعون إلى عقد اجتماعات تتمحور حول هذا الاستحقاق. لكنها تحركات لا تنطوي على مقاربة جدية حتى الآن، تعمل على استقطاب الآخرين أو تظهر مرونة في التفاهم على دعم شخصية معينة.
باسيل وترشيح البستاني
في المقابل، وعلى ضفة حزب الله، لا يظهر حتى الآن أي مسار مباشر لمسعى الحزب رئاسياً، ففي الدورة الماضية كان الحزب بوضوح وعلنية هو اللاعب الأساسي والمقرر في الاستحقاق، وهو الذي نجح بإعادة فرض مرشحه، بفعل تحول في موقف القوات اللبنانية وتيار المستقبل تجاه دعم ترشيح ميشال عون. في حينها، أصرّ الرئيس نبيه برّي على دعم سليمان فرنجية للرئاسة. ولا يزال برّي على الموقف نفسه من حيث المبدأ. وقد كان واضحاً في موقفه بذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، حول صفات المرشح الذي يتبناه ويدعمه. وهو بالدرجة الأولى سليمان فرنجية، ولكن ليس على قاعدة “هذا المرشح أو لا أحد”، بخلاف معاناة حزب الله مع جبران باسيل، الذي لا يزال يعاني من عقدة “الأنا أو لا أحد”. وهي التي أوقفت كل مساعي الحزب في تقريب وجهات النظر بين التيار الوطني الحرّ وتيار المردة.
داخل الحزب يُسمع همس عن الانزعاج من جبران، والذي يبدو أنه جاهز للقيام بأي تحرك لقطع الطريق على وصول فرنجية. وهذا يتطابق مع ما قاله باسيل في مقابلة صحافية، إنه يمكن تجيير التمثيل والأصوات إلى صالح أحد المرحشين. وهذا موقف ضمني يتجاوز فيه باسيل مسألة ترشيح نفسه لصالح ترشيح أحد أعضاء كتلته. فيما تتحدث بعض المعطيات عن أنه يفكر في ترشيح الوزيرة السابقة ندى البستاني لهذا الموقع.
حظوظ فرنجية
مثل هذه المواقف من شأنها أن تضعف حزب الله، والذي لم يضعف في انتخابات العام 2016، مستمداً قوة من الواقع الداخلي ومن موقف سعد الحريري ومن الاتفاق النووي الإيراني- الأميركي، كلها انعكست حينها على الميزان الداخلي، فنجح الحزب في فرض مرشحه. اليوم، يبدو الواقع مختلفاً نظراً لتوازنات المجلس النيابي، فيما الحزب متيقن من استحالة وصول باسيل الذي لم يستسلم حتى الآن. وعدم استسلامه من شأنه إعاقة أي تقدم يمكن للحزب أن يحققه لصالح سليمان فرنجية، الذي لو أجمع فريق الحزب وحلفاؤه عليه لربما سيكون هناك إمكانية لاستقطاب بعض الأصوات وتجييرها له من الوجهة النظرية، إذا ما سلّمنا جدلاً بأن النصاب سيكون متوفراً.
فرنجية أيضاً، ليس مطمئناً إلى مسار ترشيحه. وهو يعرف حجم المعوقات الذي يعترض طريق وصوله إلى بعبدا، وهو كان قد قال للرئيس نبيه برّي إنه لا يريد أن يكون مرشح تحدّ، وإنه حريص على أن يكون توافقياً، لأنه لو فاز بعد التحدّي سيرتد ذلك سلباً عليه، وسيتكرر معه ما حصل مع ميشال عون. كل هذه الوقائع تدفع اللبنانيين إلى التسليم بالشغور الرئاسي إذا لم تحدث معجزة تقود إلى إنجاز التسوية بشكل مبكر.
وزر الانهيار
أمام كل هذه الوقائع، يبقى حزب الله في حالة التريث بانتظار ما ستحمله التطورات المقبلة. هو حتماً لا يريد تحمّل وزر رئيس يأتي فقط بدعم منه، لأنه أصبح بأمس الحاجة إلى من يحمل عنه أوزار الحكم والانهيار. هذه النظرة ستقود إلى البحث عن رئيس توافقي، رئيس يتحرر الحزب معه من أوزار وأثقال الحكم وانهياراته، في مقابل التمسك بشروط سياسية واستراتيجية تبقيه لاعباً أساسياً في توجيه السياسات الداخلية والخارجية. وهذا لا بد معه من انتظار تطورات خارجية وكيفية انعكاسها على الواقع الداخلي، وكيف سيتعاطى الحزب مع الاستحقاق، والذي سيكون مرتبطاً حتماً بمسارات ملف ترسيم الحدود، لأن الوصول إلى الاتفاق سيمنح الحزب ورقة البحث عن ثمن سياسي مقابله في الداخل، باعتباره هو الذي حصّن موقف الدولة وحمى الثروات.