كتب عوني الكعكي:
لا شك في أن الخطاب الذي ألقاه د. سمير جعجع قائد «القوات اللبنانية»، حاز تأييداً كبيراً من معظم اللبنانيين باستثناء بعض أصحاب الرأي الآخر الذين كما هو معروف لهم مصالح وعقائد مختلفة…
على كل حال قبل أن نبدأ بتحليل ما قاله الدكتور جعجع، لا بد من أن نسجّل الملاحظات التالية:
أولاً: لا نحمّل مسؤولية مجيء فخامة الرئيس ميشال عون الى الرئاسة بالكامل للدكتور جعجع، ولكن هو مسؤول أساسي في وصول ميشال عون الى الرئاسة.
نحن نعلم ان نيّة د. جعجع كانت حقن دماء المسيحيين، خاصة وأن المسيحيين تعبوا وعانوا من الاقتتال المسيحي – المسيحي. والصحيح أيضاً ان د. جعجع راهن على ان الجنرال وبحسب علاقته المميّزة مع «الحزب العظيم»، من منطلق ان كل مسيحي يعتبر ان الأولوية الأولى في حياته أن يكون لبنان سيّداً حرّاً مستقلاً.. انطلاقاً من ذلك كانت التضحية بقبول وصول ميشال عون الى رئاسة الجمهورية…
ثانياً: اما ما قيل من ان تأييد جعجع للجنرال كان رداً على الاتفاق بين الرئيس الحريري والزعيم الزغرتاوي سليمان بك فرنجية على تأييد ترشيحه للرئاسة فهذا كلام غير دقيق لأنّ المصالحة بين الزعيم سليمان بك والدكتور جعجع تمّت قبل اتفاق الرئيس الحريري وفرنجية.
ثالثاً: وصف د. جعجع كيف كان لبنان قديماً، لبنان الذي نحب والذي عشنا فيه النظام والعمران والتقدّم والازدهار، لبنان سويسرا الشرق، والأهم جامعاته كالجامعة الاميركية واليسوعية والمستشفيات والمدارس والبنوك.
رابعاً: تحدّث د. جعجع عن مسؤولية الرئيس عون عن وصول لبنان الى الممانعة والفوضى والخراب والدمار والفقر والعوز واللادولة. باختصار أصبح لبنان كاليمن أو العراق أو سوريا أو إيران طبعاً في عهد التخلّف والفقر والشحادة. بعدما كانت إيران من أهم الدول أيام الشاه، فكانت تشبه دول أوروبا.
خامساً: كل الانتقادات التي ساقها د. جعجع بحق الرئيس ميشال عون صحيحة مئة في المئة، بدءاً بقوله إنه أسوأ رئيس في تاريخ لبنان، الى مسؤوليته عن تخريب وتدمير البلد… ولكن عندنا سؤال بسيط هو ان «اتفاق معراب» نصّ أولاً، على تأييد د. جعجع لانتخاب الجنرال ميشال عون.. ثانياً على المناصفة في عدد الوزراء.. وثالثاً المناصفة في عدد النواب.. ولكن الصهر العزيز الصغير ومنذ اللحظة الأولى نكث بكل الاتفاق بعد وصول عون الى الرئاسة ورفض إعطاء نصف الوزراء للدكتور جعجع… وهنا لا بد من التذكير بأن الرئيس سعد الحريري بقي ينتظر 13 شهراً حتى تمّت موافقة د. جعجع على الاشتراك، وهنا نعلم جيداً ان وزراء د. جعجع كانوا من أفضل الوزراء، من حيث نظافة الكف، ولكن كان شعارهم كلمة «كلا» إذ كانوا يرفضون كل شيء، ومن حيث المبدأ نحن مع رفضهم ولكن كيف يمكن أن «تمشي» أمور البلد بالرفض.. فالرفض ضروري ولكن يجب أن يكون هناك خطة بديلة، أما الرفض من أجل الرفض فلا يكفي ولا يبني دولة، وهذه نقطة سلبية تسجّل في خانة «القوات».
وهكذا وقع البلد بين جماعة عون وشعارهم «ما خلونا». وبين شعار «لا نوافق» توقف العمل.
يروي لي رئيس الحكومة السابق سعد الدين الحريري ان موضوع الكهرباء خصّص له أسبوع كامل للبحث ولم يستطع أن ينجز، ولم يحدث أي تقدّم بسبب ان معظم الوقت كان الحوار حوار طرشان بين جماعة «القوات» وجماعة عون.
سادساً: وهنا نقول للدكتور جعجع نحن من حيث المبدأ معه في عدم السماح بتجاوز القوانين، ولكن بالمقابل هل نقف مكتوفي الأيدي بدون أي عمل، أي تعطيل الدولة. هذا التعطيل يؤثر سلباً على جميع أهل البلد وليس على «التيار» وحده خاصة وأنّ الطفل الصغير الذي هو الصهر، يعيش في كوكب المال والصفقات والعمولات، وعنده «منجم» الماس اسمه الكهرباء، حيث استطاع أن يصرف 65 مليار دولار، على ملف الكهرباء ولا توجد ساعة تغذية بالكهرباء واحدة حتى الآن.
اليوم وصلنا الى ما وصلنا إليه وليتنا نستطيع أن نعيد عقارب الساعة الى الوراء… فماذا نعمل؟
أولاً: الحزب موجود ولا يمكننا أن نتخلص منه ومن سيطرته إلاّ بالحوار وهي اللغة الوحيدة التي تحفظ ما بقي من لبنان…
ثانياً: يجب أن نبقى نحاول ونجمع بعضنا البعض ونحول أن نفتش عن عناصر تقرّب وجهات النظر بيننا وبين «الحزب».
اليوم موضوع الاتفاق مع العدو الاسرائيلي بالنسبة لترسيم الحدود البحرية أصبح على الطاولة، وهناك احتمالات كبيرة بالتوصّل الى صيغة اتفاق.
لذلك أرى ان الانتظار هو أفضل طريق للوصول الى بر الأمان.
وبالصبر والعمل الجدّي النظيف لا بد أن نصل الى شاطئ الأمان، خاصة وأن أسوأ عهد ونظام يمكن أن يمر به لبنان، قد مرّ… لذلك أنا متفائل بالمستقبل.. لأنه عندما يذهب الشر… فالخير آتٍ بإذن الله وإنّ غداً لناظره قريب.
*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*