الهديل

كلمة السيدة كلودين عون رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية خلال نقاش مفتوح بعنوان “جنسية مش تجنيس”

عقدت الجمعية العامة للهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية حلقة نقاش مفتوح حمل عنوان “جنسية مش تجنيس” بحضور رئيسة الهيئة كلودين عون، عرض النقاش اطلاق لدراسة قد قامت بها الهيئة حول حق الام اللبنانية المتزوجة من غير لبناني بمنح جنسيتها لاولادها بالاضافة لعرض النص المقترح الذي قدمته الهيئة الوطنية الى رئاسة مجلس الوزراء لتعديل قانون الجنسية.

وافتتحت “عون” النقاش بكلمة جاء فيها: ” لعلّ بعضكم تساءل عن خلفيّة الدعوة إلى اجتماع اليوم تحت عنوان “جنسية مش تجنيس” وتوقيته والهدف منه. وأنا أسأل لماذا إلى اليوم لا يزال الاعتراف بحق المرأة اللبنانية بنقل جنسيتها إلى أولادها، عرضةً للتسويف والمماطلة والحسابات، ولماذا منذ ما قبل الاستقلال لا يزال التخاذل قائماً في هذا الملف، الذي تارةً يربطونه بحسابات دولية وإقليمية وطوراً بتحوّلات ديمغرافية.

إنّ الحقّ بالجنسية هو أحد الحقوق الأساسيّة في القانون الدولي وهو يربط بين الجنسيّة والحقّ بالانتماء القانوني. أما المرأة اللبنانية فكانت ولا تزال حتى اليوم محرومة من حقها في نقل جنسيتها إلى أولادها. هل تصدّقون أن القرار الذي يُطبّق في موضوع الجنسيّة يعود للعام 1925 وقد نصّ على أنه “يُعدّ لبنانياً كل شخص مولود من أب لبناني”؟ أي أنّ القرار الذي تُمنح بموجبه الجنسيّة اللبنانية اليوم هو قرار موقّع من المفوض السامي الفرنسي الجنرال موريس بول ساراي Maurice Paul Sarrail.

ولكن الدستور اللبناني في العام ١٩٢٦ أقرّ في المادّة السابعة منه بمساواة كلّ اللبنانيين لدى القانون وهمّ يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية. من هنا التأكيد على أن المشرّع آنذاك، كرّس الحقوق المتساوية للمرأة مع الرجل فكان لبنان سباقاً في نشر ثقافة حقوق الإنسان. ولا نستغرب أن يكون د. شارل مالك من المشاركين في صياغة وإعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

إذاً الإرادة وجدت، ووجد النص الدستوري منذ العام 1926 أي ما قبل الأزمات السياسية المتتالية، فلماذا لم تتمّ الورشة التشريعية الإصلاحية على مرّ كل تلك السنين، لتشمل كل القوانين المجحفة بحق المرأة على غرار ما حصل حين تمّ تكريس حقها في التصويت وفي الترشح في العام 1953، وحقها في ممارسة التجارة في العام 1994 وسواها من المحطات (بالرغم من البطء الشديد في إقرار هذه القوانين)

ولم تقتصر أسباب الاجحاف بحق المرأة اللبنانية على الاعتبارات الثقافية الذكورية، بل أتت الأزمات السياسية التي لحقت بالبلد بعدها (منها اللجوء الفلسطيني والنزوح السوري) لتلقي بأوزارها على المرأة، فحمّلوها مسؤولية التوطين والتجنيس إذا ما نالت حقّها في نقل جنسيتها إلى أولادها.

كما أتى مرسوم التجنيس الشهيرعام 1994 الذي منح الجنسية بجزء منه لغير مستحقيها وبطريقة عشوائية، وشكّل خللاً في التوازن الطائفي أدى إلى خلل في نتائج الانتخابات النيابية في بعض المناطق، ليزيد المخاوف لدى البعض، وليلقي بتبعاته على كاهل المرأة.

هذا هو السياق التاريخي والمشهد العام لحرمان المرأة من حق نقل جنسيتها إلى أولادها، وللظلم الذي نتكلم عنه مراراً وتكراراً.

يلمحون إلى أن الاعتراف بحق المرأة اللبنانية بنقل جنسيتها إلى أولادها هو مقدمة لتوطين الفلسطينيين ولتجنيس السوريين مما سوف يتسبب حتماً بتغيير ديمغرافي طائفي:

• أتوجّه إلى رافضي الاعتراف بهذا الحق للمرأة اللبنانية:

أولاً، نعيد ونذكر أنه حق، والحق لا يقبل المساومة. الوطن هو فوق الجميع. فإمّا أن نكون جميعنا مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات تماماً كما نصّ عليه دستورنا أو لا يكون هناك وطن.

ثانياً: من أي أرقام انطلقتم لتؤكدوا ان أزواج هؤلاء النساء هم بغالبيتهم فلسطينيون وسوريون وكذلك أولادهم؟ (وهنا أستخدم هذه اللغة جواباً على كلامكم، وليس اقتناعاً مني بمقاربتكم للموضوع من ناحية جنسية أو دين أو طائفة الزوج). ألديكم أرقاماً دقيقة للبنانيات المتزوجات من أوروبيين وأميركيين وآسيويين وعرب آخرين؟ هل فتحتم الباب لهؤلاء النساء لكي يسجلن زيجاتهن لدى الدولة اللبنانية لينطلق موقفكم من بيانات واضحة؟ هل فكّرتم بالطاقات البشرية التي يخسرها الوطن على مرّ السنوات في العالم؟ هل لديكم أرقام اللبنانيين الرجال المتزوجين من أجنبيات؟ وهل تعرفون جنسياتهن؟ ألا يعتبر هذا تجنيساً لأولادِ أمهات غير لبنانيات يستتبع تغييراً للهوية اللبنانية التي تزرعها عادة الأم في بناتها وأبنائها؟

ثالثاً: إن الحل للمخاوف والهواجس الموجودة لديكم هو في مواجهتها وإيجاد طريقة لتذليلها، لا في التهويل بها والهروب منها. تحمّلون المرأة مسؤولية خطر التوطين والتجنيس، في حين أن الدولة فشلت في إيجاد حلّ لأزمتي النزوح واللجوء، بل أكثر من ذلك، يهاجر أولادنا (من كل الطوائف والمذاهب والمشارب) ونخسرهم بسبب الفشل في إدارة الأزمات.

من هنا تقدمت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بمشروع قانون تعديل قانون الجنسية للاعتراف للمرأة اللبنانية بهذا الحق، كما تقدمت جهات مختلفة باقتراحات في هذا الشأن. لماذا لم تجتمعوا حول طاولة واحدة كلّ تلك السنوات وتضعوا هذه المخاوف نصب أعينكم، وتتناقشوا فيها لإيجاد مخرج يزيل الظلم عن المواطنات اللبنانيات وعن أولادهن من جهة، وتتخذوا التدابير اللازمة التي تزيل هذه المخاوف من جهة أخرى، على ان تطبق هذه التدابير على المواطن كما على المواطنة؟

• وأتوجه إلى طالبي الجنسية من خلال مرسوم منح الجنسية:

 

أولاً: انطلاقاً من الظلم اللاحق بالمرأة اللبنانية ونظراً لعدم حتى مناقشة هذا الموضوع في المجلس النيابي، طالبنا بمرسوم لمنح الجنسية اللبنانية عام 2018، رفع الظلم ولو عن عدد قليل من اللبنانيات مع عائلاتهن، (وهنا أشكر مجدداً فخامة رئيس الجمهورية على التجاوب مع مطالبتنا واتخاذ هذه المبادرة الشجاعة في أول عهده، على الرغم من تعرضنا لانتقادات لاذعة وحملات ممنهجة) ونعم نطالب اليوم بمرسوم جديد قبل انتهاء العهد، تمسكاً منا بالسعي لإنصاف المرأة اللبنانية بالأساليب والطرق المتاحة لدينا. لكن نذكّر ونعيد، أن مرسوم منح الجنسية يوقع عليه، دستورياً، وزير الداخلية والبلديات ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية مجتمعين. من هنا أوضّح لطالبي الجنسية أن الصلاحية لا تعود إلى رئيس الجمهورية بمفرده في هذا الموضوع.

ثانياً: إن الملفات المقدمة من قبل الهيئة الوطنية لشؤون المرأة كونها المرجعية الرسمية المعنية بالمطالبة بحقوق المرأة، هي طلبات محقة لنساء لبنانيات متزوجات من أجانب ولعائلاتهن. وهنا انبهكم من أي شخص يوحي أو يؤكد لكم أن لهذه الجنسية ثمناً. فالجنسية هي حق والحق لا يباع ولا يشترى. لا تقعوا ضحية الفاسدين، الذين نسمع عنهم. إن شرط نيل الجنسية من خلال مرسوم، هو اكتمال الملف والأهلية لها بحسب المراجع المختصة، لا شيء آخر.

ثالثاً: سيداتي، لا تخجلن بالمطالبة بهذا الحق ولا تتوقفن عن النضال من أجله، إن الظلم اللاحق بكنّ في هذا الملف أوصل بعضكنّ إلى الخجل بالبوح بالزواج من أجنبي، وإلى إخفاء الامر خوفاً من الأحكام المسبقة والأحكام المتعمدة. شيطنوا القضية لدرجة سمح البعض لنفسه ومنهم سيدات القول لي “مالقيت تتجوز إلا أجنبي؟” لا أجد جواباً على هذه الاتهامات العنصرية التي تتخطى المنطق والأخلاق والحرية الشخصية.

أدعوكن إلى الإصرار والسعي لإقرار القانون الأهم الذي يعترف بمواطنتكن الكاملة، قانون الجنسية.

 

أتوجه للإعلاميات والإعلاميين:

دوركم أساسي في هذا الملف! كما دعمتمونا في نضالنا لإقرار قانون يجرم التحرش الجنسي، وتعديل قانون “حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري”، نعوّل على دعمكم لإيصال صوت كل امرأة لبنانية حجب عنها حق نقل هويتها إلى أولادها.

يحكى عن سماسرة وأعمال فساد ترافق هذا الملف من قبل بعض المهولين، (“مثل قبض حق الجنسية”) هنا أتمنى عليكم السعي لإثبات هذا الأمر وفضح السماسرة إذا وجدوا، من أجل محاسبتهم ومعاقبتهم، كما أتمنى أن تتناولوا الموضوع من مختلف جوانبه وأن تضيئوا على حق المرأة الضائع بالمواطنة الكاملة.”

بغياب كلّ إرادة للحلّ جئنا نقول فلنذهب إلى الحلّ.

الحلّ المنطقي والمستدام يكون بإقرار قانون عادل للجنسية يكون للمرأة فيه ما للرجل من حقوق من دون أي انتقاص أو فرق أو تمييز. ومن هنا أتمنّى على السادة النوّاب فتح باب النقاش الجدّي والبنّاء للوصول إلى الاتفاق على قانون ينصف المرأة اللبنانية ويوقف النزيف البشري الحاصل من جراء حجب هذا الحق عن أولاد اللبنانيات، ويتيح للبنان استثمار طاقاته البشرية المنتشرة في أنحاء العالم.

أما الحل المرحلي، فهو بإصدار مراسيم لمنح الجنسية بشكل دوري، عبر اعتماد آلية واضحة ومعايير شفافة ومرجعية رسميّة لتقديم طلبات الاعتراف بالجنسية حتى يتوقف السجال وتتوقف المزايدات والشحن ورمي الأضاليل.

أتركوا موضوع الجنسية خارج المناكفات والتجاذبات والمزايدات والمحاصصات والنكايات السياسية التي يذهب ضحيتها أصحاب الحقوق.

تعبت ساحاتنا من النضال ومشقّاته، وهنا أحييّ الجمعيات الاهلية والمنظمات الحقوقية والنسائية على نضالها وجهودها والتزامها. نضالنا واحد وسعينا واحد وهدفنا واحد مهما اختلفت إليه السبل والطرق والمنافذ. وسيستمرّ النضال إنّما لأن الحقّ لا يستكين ولا ينهزم. فما من شعور أصعب من أن تعلم أن لديك حقوق ولا سبيل لتحصيلها٫ يفاوضونك عليها وبالنتيجة يحرمونك منها.

إنّ المواطنة الحقيقية هي فوق الحسابات وفوق الخوف وفوق الهواجس وفوق النعرات وفوق السياسة وفوق كلّ شيئ.

دعونا لمرّة واحدة،٫ للحظة واحدة نتّخذ موقفاً واحداً٫ واضحاً٫ شجاعاً… فلنلتزم دستورنا ومبادئه ولنعمل بضميرنا لننصف من خذلناهم طوال عقود.

في الختام، أعرب عن شكري الخاص وتقدير الهيئة الوطنية لشؤون المرأة لكل من حضر لقاءنا اليوم. إن وجودكم هو عربون التزام بقضايا المرأة ودعم لحقوقها”.

Exit mobile version