خاص الهديل :
في خمسينات القرن الماضي نصح سياسيون لبنانيون تقي الدين الصلح بان يتعرف على السفير الأميركي الجديد في بيروت؛ كون هذا السفير يحمل مشروعا اميركيا من أجل لبنان ، وهو غير سلفه لجهة ان لديه رؤية اميركية سينفذها في لبنان. ولكن تقي بك الصلح تعاطى مع هذه المعلومات والنصائح له، باستخفاف، لان لديه قناعة تفيد بان الاميركيين ليس لديهم سياسة في لبنان، بل لديهم سياسات تنطلق احيانا من لبنان لتحقق نتائج في دول ومناطق أخرى، غير لبنان..
غير ان تقي بك وافق بعد إلحاح أصدقائه على أن يلتقي بالسفير الأميركي الجديد ، ولكن ليس في مكتب الاخير بالسفارة ، بل في مناسبة عشاء عامة في منزل احد الأصدقاء المشتركين ..
وعندما التقى تقي بك بالسفير الأميركي بادره بالسؤال التالي : سيدي السفير انت هنا في لبنان من اجل اية قضية ؟؟..
افترت شفتا السفير الأميركي عن ابتسامة صفراء؛ وقال لصديق كان يقف بجانبه : أنه سؤال ذكي!!.
ولقد تبين لاحقا ان حركة السفير الأميركي انذاك في لبنان ، كانت من أجل قضية أخرى، هي ترتيبات حلف بغداد في تلك الحقبة؛ . تماما كما تبين لاحقا أن المارينز جاء الى لبنان في ثمنينات القرن الماضي من احل ترتيبات إستراتيجية في المنطقة لا تخص لبنان. واليوم فإن هوكشتاين يصل الى لبنان ليس من أجل غاز لبنان؛ بل من أجل قضية أخرى- على حد تعبير تقي الدين الصلح -، تخص الغاز الاسرائيلي، وتخص اساسا خدمة هدف بايدن بايصال غاز المتوسط إلى أوروبا..
وبكل الأحوال فإن سؤال تقي بك الصلح للسفير الأميركي في خمسينات القرن الماضي، لا يزال صحيحا، و يمكن توجيهه اليوم أيضاً لهوكشتاين من خلال احد الرؤساء الثلاثة أو من خلال نائب رئيس مجلس النواب ابو صعب : سيدي هوكشتاين انت عدت الى لبنان من اجل أية قضية ؟؟.
لعل هوكشتاين هو أهم مبعوث اميركي يأتي إلى لبنان بعد فيليب حبيب ؛ والأخير كان اميركيا من أصل لبناني ؛ فيما هوكشتاين هو اميركي من أصل اسرائيلي.
ومرة بعد اخرى، يتضح ان الضغوط الأميركي تكون أكثر حدة على البلد الذي يكون المبعوث الأميركي المرسل اليه، يحمل جنسيته الأولى .. هذا هو الدرس الذي تعلمه لبنان من المبعوث الأميركي اللبناني الأصل فيليب حبيب في العام ١٩٨٢ – ١٩٨٣ ..
.. ونفس درس اشتداد العقوبات الاميركية، ولو غير المباشرة على لبنان ، يحدث الآن على زمن شيا السفيرة الاميركية الحالية في لبنان التي هي ايضا من أصل لبناني.. وهذا هو الدرس عينه يتعلمه الاسرائيلي اليوم، على يدي الأميركي هوكشتاين الاسرائيلي الأصل؛ ذلك ان حجم الضغوط التي تمارسها إدارة بايدن على يائير لابيد بخصوص إثارة قضية مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عقله ، وبخصوص احباط مساعي تل أبيب للتشويش على مساعي الإدارة الديموقراطية الأميركية في مفاوضات فيينا ، كبير جدا؛ وكل هذه الضغوط تجري في الوقت الذي يجري فيه هوكشتاين الاسرائيلي الاصل وساطته بين لبنان وإسرائيل.
وكل هذه المعطيات السابقة ، تقول أمرا أساسيا، و هو أن المبعوث الأميركي ، حينما يتواجد في لبنان، فإنه يكون في بلد الأرز من أجل قضية أخرى تتعدى لبنان، ولا يكون لبلد الأرز لا ناقة ولا جملا فيها..
.. وهوكشتاين يعود اليوم إلى لبنان حتى ينجز هدفا موجودا في أوروبا؛ وحتى يسجل كرة نظيفة في مرمي الحارس الروسي الموجود في الاوراس؛ ولذلك فإن نتائج زيارة هوكشتاين الراهنة إلى لبنان مطلوب منها اميركيا أن تحقق هدفا بعيدا عن لبنان ، وقد يكون الاخراج المعد لذلك، هو تمديد زمن التفاوض حول الترسيم البحري، أو تجميد الاستخراج لفترة في كاريش، الخ..
.. وليس مهما كيف سيكون الاخراج، ولكن المهم معرفة ماذا يريد بايدن من مهمة هوكشتاين، وليس ماذا يريد لابيد ولا الرؤساء اللبنانيون الثلاثة من هوكشتاين الموجود في لبنان من أجل قضية أخرى!!.