يُنقل عن بعض العائدين من باريس وبعض العواصم الأخرى المعنيّة بالملف اللبناني، أنهم لم يلمسوا أيّ تحرّك جدّي تجاه لبنان، أو أنهم بصدد إعداد رزمة تحركات باتجاه العواصم من أجل إنقاذ البلد ممّا يعانيه من صعوبات بدأت تنذر بعواقب وخيمة، بعدما وصلت حالة اللبنانيين إلى الحضيض، بينما اللافت أن ثمة استحالة لتحديد مواعيد أكان مع المسؤولين الفرنسيين ومع نظرائهم في الدول العربية والغربية، بعدما سبق لأكثر من مسؤول أن طلب مواعيد دون أن يلقى أيّ تجاوب أو اهتمام. وذلك يحصل للمرة الأولى، ما يؤكد بالملموس عدم الثقة غربياً وعربياً بالمنظومة السياسية الحالية، حيث كانت اللقاءات والزيارات من قبل زعامات ومرجعيات سياسية وحزبية جارية على قدم وساق في أي توقيت تُطلب فيه مواعيد من هذا المسؤول اللبناني أو ذاك. تالياً، وفي المعطيات، فإن الوضع اللبناني لم تتبلور معالمه حتى الآن أكان سياسياً أم على صعيد الاستحقاق الرئاسي، نظراً لجملة اعتبارات وتطوّرات من خلال ما يجري في المنطقة، ومن ثم فإن الحرب الروسية – الأوكرانية هي الشغل الشاغل في أوروبا وواشنطن.
وفي السياق، وحيال هذه الأجواء، تشير مصادر سياسية لبنانية على صلة وثيقة بروسيا “النهار”، إلى أن الزيارة التي كان من المزمع أن يقوم بها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف للبنان، هي اليوم موضع تريّث وترقّب لما يحصل في هذا البلد. وبمعنى أوضح، بات مؤكداً أن الزيارة لن تحصل في الموعد الذي كان محدّداً لها منتصف الشهر الجاري لجملة اعتبارات وظروف أفضى بها بوغدانوف أمام أحد أبرز المتابعين للملف الروسي، إذ تعتقد موسكو أن الزيارة، في ظل الظروف الراهنة على الساحة اللبنانية، لن تؤدّي إلى النتائج المتوخاة، حيث هناك جدل كبير بين المسؤولين حول الوضعين الحكومي والرئاسي، فثمة من يشير إلى أن هناك حكومة قريبة، والبعض الآخر يستبعد التوصّل إلى توافق في هذا الإطار. بينما الطامة الكبرى، تتمثّل بالضبابية المحيطة بالانتخابات الرئاسية، وعلى هذه الخلفية يعتقد بوغدانوف أن التوجّه ينحو باتجاه الفراغ الرئاسي، وبناءً على هذه المؤشرات والصعوبات المحيطة بالاستحقاقين الحكومي والرئاسي، كان قرار تأجيل الزيارة إلى ما بعد نهاية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، حيث تكون قد تبلورت مشهدية الوضع في لبنان، لأن الغاية تكمن في دعم موسكو للدولة اللبنانية والحكومة والشعب اللبناني، ولكن في مثل هذه الأوضاع، يُستحسن التريّث تجنّباً للإقدام على “دعسة ناقصة”.
وتلفت المصادر عينها، إلى أن السفير الروسي في لبنان ألكسندر روداكوف، عاد إلى مركز عمله بعد انتهاء إجازته الصيفية، وسيقوم في الأيام القليلة المقبلة بزيارة المسؤولين اللبنانيين لاستطلاع الأجواء حول الوضعين الحكومي والرئاسي، وتالياً ترتيب زيارة بوغدانوف لبيروت في موعد لاحق على أن تكون الأرضية مؤاتية لها، مما يوفّر سبل نجاحها، وخصوصاً أنها الأولى على هذا المستوى منذ فترة طويلة، ولذا فإن خبرة نائب وزير الخارجية الروسي في التفاصيل اللبنانية، دفعته إلى إرجاء زيارته في هذه المرحلة، وهو الذي عبّر عن قلقه وهواجسه لما يحيط بلبنان من مصاعب وتعقيدات كثيرة تبقي الأمور فيه موضع مخاوف لروسيا.
وعلى خطّ موازٍ، ومن خلال إرجاء زيارة بوغدانوف، وغياب “اللهفة” الدولية تجاه لبنان، على الرغم من الأخطار المحدقة به، فذلك دليل بالملموس على أن الساحة الداخلية ستكون في المرحلة المقبلة محطّ أنظار العالم وشغله الشاغل لما يمكن أن تشهده من تطوّرات وأحداث وأزمات سياسية واقتصادية، وقد بدأ معظم المسؤولين في العواصم الغربية والعربية يشعرون بأن الفراغ الرئاسي يكبر بفعل الواقع الحالي، وربطاً بالتصعيد السياسي والخلافات والانقسامات، وصعوبة التوافق على مرشح يحظى بإجماع كل المكوّنات السياسية والحزبية، إلى وضعية المجلس النيابي، حيث لا أكثرية لدى هذا الطرف وذاك، وصولاً إلى إمكانية حصول مفاجآت في صفوف التكتلات النيابية والمستقلين والتغييريين. وحتى الساعة، ليس هناك مواقف حاسمة، وتحديداً على خط النواب التغييريين والمستقلين، وأيضاً “اللقاء الديموقراطي”، الذي ما زال في موقعه الوسطي، وبات أقرب إلى الرئيس نبيه بري من حلفائه في منظومة 14 آذار السابقة، إلى ترقّب ما ستكون عليه نتائج الاتصالات مع حزب “القوات اللبنانية”، حيث علم أنه في الساعات الماضية، بدأت اتصالات هادئة بين الفريقين، على أن تتفاعل وتؤدّي إلى لقاء في معراب، وزيارة أخرى لبكركي.
من هذا المنطلق، يستدلّ أن لبنان يمرّ في مخاض عسير من خلال غياب الحماسة الدولية، وداخلياً من جرّاء انهيار دولته ومؤسساته واتساع شرخ الخلافات بين مكوّناته، واقتصادياً “على الأرض يا حكم”، ولكن كل الاحتمالات واردة، كما تردّد أكثر من جهة سياسية إذا أقدمت عواصم القرار على فرض التسوية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية