الهديل

“أسئلة” هوكشتاين: صيغة جديدة لفصل الترسيم البحري والبرّي

كما كان متوقعاً، لم تكن زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان حاسمة أو نهائية، بما يخص ترسيم الحدود أو بدء لبنان بعمليات الاستكشاف والتنقيب. وضع المبعوث الأميركي المسؤولين اللبنانيين بما توصل إليه مع المسؤولين الإسرائيليين من جهة، وبنتائج مباحثاته مع شركة توتال الفرنسية من جهة أخرى.

إلى جانب ما حمله، طرح هوكشتاين أيضاً جملة تساؤلات، طلب من المسؤولين اللبنانيين الإجابة عليها في أقرب فرصة، لاستكمال المفاوضات ووضع الإطار العام للاتفاق الذي يفترض أن يتم الانتهاء من تفاصيله بالعودة إلى جلسات التفاوض غير المباشرة، في مقر الأمم المتحدة بالناقورة.

كسب الوقت

في الخلاصة، يمكن الحديث عن تسوية مبدئية، أو إنزال مختلف الأطراف عن الشجرة، لا تصعيد من قبل لبنان مقابل وقف اسرائيل لاستخراج الغاز من حقل كاريش وتأجيله أسابيع، أي إلى نهاية تشرين الأول أو بداية تشرين الثاني. أي بعد الانتخابات الإسرائيلية، على الرغم من ان هذا الاستحقاق لم يكن حاضراً في النقاشات التفصيلية بين هوكشتاين والمسؤولين اللبنانيين، ولكنه أصبح موجوداً بشكل غير مباشر. الأهم هو الاستمرار في التواصل والبحث للوصول إلى صيغة اتفاق. هنا يسود اعتقادان، الأول أن اتفاق الترسيم يمكن أن يحصل في أي وقت. ولكن المسألة ترتبط بالتوقيت السياسي. والثاني هو أن يكون الجميع في مرحلة كسب الوقت بانتظار تطورات أكبر تفرض هذا الترسيم. وهذه التطورات ترتبط بملفات إقليمية من جهة واستحقاقات أساسية داخلية من جهة أخرى، تتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية أو بالبحث عن صيغة تسوية موسعة للمرحلة المقبلة قد تطال تركيبة النظام أو على الأقل البحث في تعديله.

الخط 23 وقانا

في مباحثاته كان هوكشتاين واضحاً في التركيز على نقطتين أساسيتين، الاستقرار والاقتصاد. كرر كلمة استقرار أكثر من مرة في كل لقاء، وشدد على أن الاتفاق سيكون من مصلحة لبنان اقتصادياً. مع رئيس الجمهورية كان هوكشتاين واضحاً بأن هناك تقدّماً يتم تحقيقه، وذلك من خلال تكريس الخطّ 23 لصالح لبنان كاملاً مع حقل قانا أيضاً. أما الاستفسارات التي طلب المبعوث الأميركي الإجابة عليها لبنانياً، فتتعلق بنقطتين أساسيتين. النقطة الأولى هي حول احتمال وجود حقول مشتركة بين لبنان واسرائيل: كيف يتم التعامل مع الأمر؟ والصيغة المقترحة أن الشركات المنقبة هي التي تتولى الحقول من دون حصول عمليات تنقيب مشترك. أما النقطة الثانية، فتتعلق بالسؤال عن منطلق الخطّ 23. وبمعنى أوضح، فإن لبنان يربط التنسيق البري بالتنسيق البحري، نقطة رأس الناقورة هي آخر نقطة برية يتم الارتكاز عليها للذهاب باتجاه البحر وهي النقطة B1. هذا أمر يعرفه هوكشتاين كما الإسرائيليون، لكن الرجل سأل عن منطلق الخط 23 في إشارة منه الى النقطة B1، وكأن المطلوب هو التخلي عن هذه النقطة، وبدء الترسيم على عمق خمسة كيلومترات من البحر أي لفصل الترسيم البري عن البحري. ففي حال تم تكريس هذه النقطة سيكون لها تداعيات على الوضع في البر، وقد يتجدد الخلاف حول عدد من النقاط البرية، خصوصاً ان الإسرائيليين يتخوفون من أن تنعكس هذه النقطة على مستوطنة مسكافعام مثلاً التي ستعتبر داخل الخطّ لصالح لبنان، كما سيطال مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. إذاً، بتخلي لبنان عن B1 سيصبح الإسرائيلي قادراً على القول إن تلك المناطق غير تابعة للبنان. برر هوكشتاين البحث في هذه النقطة للحصول على ضمانات أمنية وعسكرية لعدم حدوث خروقات أو توترات، لأن ذلك سيخلق مشكلة حول لمن ستكون السيادة في هذه المنطقة.

للعودة إلى الناقورة

اتفق على أن يبحث المسؤولون اللبنانيون في هذا الأمر على أن يصيغوا الجواب إلى هوكشتاين. وهو طالب بأن يكون الجواب سريعاً. وفيما شدد رئيس الجمهورية على أن الوقت ضيق وأن لا مجال للسماح لإسرائيل باستخراج الغاز من كاريش من دون بدء لبنان بعمليات التنقيب، وأنه لا يمكن انتظار نتائج الانتخابات الإسرائيلية، أكد هوكشتاين أن الأمر غير مطروح على الإطلاق ولا علاقة للانتخابات في إسرائيل، إنما الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه يحتاج إلى الوقت، بالإضافة إلى إنجاز الترتيبات مع الشركات لتصبح جاهزة للعمل.

مع الرئيس نبيه برّي شدد هوكشتاين على إيجابيته، لكن بري اعتبر أن التقدم الذي حصل أصبح يقتضي التفاهم على الكثير من التفاصيل. هذه التفاصيل يمكن حلها في مفاوضات الناقورة. وهذا ما عاد برّي وشدد عليه بوجوب الالتزام باتفاق الإطار وترك الأمور التقنية والتفصيلية إلى المفاوضات غير المباشرة. ينتظر لبنان بلورة موقفه رداً على ما قدّمه هوكشتاين، فيما حزب الله يعتبر أن كل ما يجري هو مضيعة للوقت أو لكسب الوقت، لا سيما أن هوكشتاين ومن خلفه الإدارة الأميركية يريدون مساعدة يائير لابيد انتخابياً.

المصدر: المدن- منير ربيع

 

 

Exit mobile version