خاص الهديل
صدرت خلال الأسابيع الاخيرة عشرات التصريحات الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين لهم وزنهم الهام الأمني أو السياسي أو العسكري، وجميع هذه التصريحات تتقاطع عند الإعتراف بالحقيقة الكبرى ، وهي إعتبار الضفة الغربية بوصفها الجهة الأصعب والأخطر على اسرائيل ، وذلك من بين كل الجبهات الأخرى.
وقالت هذه التصريحات والتحليلات الاسرائيلية ان جبهة الضفة الغربية هي الجبهة التي تخيف فعليا إسرائيل، وهي الجبهة التي تعطيها إسرائيل اولوية قياسا بكل الجبهات الآخرى من جبهة غزة إلى جبهة لبنان الى الجبهة السورية وصولا حتى الجبهة الإيرانية..
..ولكن لماذا تخشى إسرائيل من جبهة الضفة الغربية، رغم أنه لا يوجد فيها أنفاق الجيش الاسرائيلي من تحت الارض، ولا يوجد فيها معسكرات ولا غرف عمليات مشتركة ولا افرادية ؟؟..
.. وأيضا لماذا تعتبر اسرائيل ان جبهة الضفة الغربية هي الاكثر خطورة عليها ، رغم انها هذه الجبهة هي الأقل تسلحا بما لا يقاس، مقارنة بالجبهات الاخرى التي لديها مسيرات وصواريخ دقيقة وغير دقيقة، وعشرات آلاف المقاتلين المدربين ؟؟.
وأيضا وايضا ، لماذا تخاف إسرائيل من جبهة الضفة الغربية اكثر بما لايقاس من كل الجبهات الأخرى، رغم ان جبهة الضفة محاصرة فيما الجبهات الاخرى مفتوحة على حدود دول حليفة، أو صديقة او دول تغض الطرف.
وأكثر من ذلك ، أليس هناك مبالغة في أن يسمي كبار ضباط الحرب في إسرائيل الضفة الغربية، باسم “جبهة” أو باسم ” الجبهة الأخطر ” ..
ثمة من يقول ان تل أبيب تحاول تكبير الخطر الموجود في الضفة الغربية ، حتى تبرر مطلبها بعدم التنازل عن وجودها الأمني في الضفة الغربية .. وهذه وجهة نظر لا يمكن اغفالها؛ رغم أن هناك في مقابلها من يقول ان إسرائيل تحدثت كثيرا عن خطر غزة، ولكنها انسحبت منها ، وتحدثت كثيرا عن خطر منطقة الشريط الحدودي في جنوب لبنان، وانسحبت منه. وأصحاب هذه المقاربة يريدون القول ان خوف إسرائيل من جبهة الضفة الغربية له أسبابه ذات الصلة بطبيعة الصراع وبهويته وبذاكرته كما هي راسخة في وعي الفكر العسكري والسياسي والثقافي الاسرائيلي.
والحقيقة التي يسلط عليها الضوء أنصار نظرية تصديق ما يقوله الاسرائيليون عن خوفهم من جبهة الضفة الغربية، تستند على النقاط الجوهرية التالية:
الضفة الغربية هي فعلا الجبهة الأخطر على إسرائيل؛ لأنها اولا وعاشرا، هي جبهة فلسطينيين ؛ يقاتلون فوق أرض فلسطين؛ وليس لديهم غير أجندة بلدات وقرى فلسطين وحسابات موسم الزرع في فلسطين.
داخل الوعي الأمني الاسرائيلي يوجد خوف من الفلسطيني ، حينما يكون موجودا فوق ارضه؛ لان فكرة اسرائيل تقوم على نظرية ” ارض بلا شعب لشعب بلا أرض” .. ويوجد خوف اكثر من الفلسطيني حينما يكون فوق ارضه ويرفع قبضته او سلاحه بوجه الاحتلال؛ لأن الفكرة ان إسرائيل اسرائيل تقوم على الرهان على تقبل الفلسطيني سرقة ارضه ومنزله ..
.. ولذلك ؛ فإنه كلما ابتعد الفلسطيني سنتيمترا واحدا عن ارضه يرتاح الاسرائيلي اكثر ، وكلما افترب سنتيمترا واحدا من ارضه يقلق اكثر ..
والتقدير الاستراتيجي الاسرائيلي يخشى من الصواريخ الذكبة والدقيقة المتموضعة حول فلسطين المحتلة، ولكنه يظل لديه عامل يطمأنه، وهو امتلاكه باتريوت وقبة حديدية ، الخ.. وايضا امتلاكه إمكانية حرق الأرض التي تنطلق من فوقها هذه الصواريخ مع الناس القاطنبن فوقها .. ولكن لا يوجد لدى إسرائيل اي سلاح ضد بندقية الفلسطيني المقيم في أرضه ولا تملك اسرائيل اي تهديد لحرق ارضه التي يوجد علبها مستوطنات ومغتصبين اسرائيليين .
وحينما كانت صواريخ حماس تضرب تل ابيب في حرب غزة ما قبل الأخيرة، كان اعضاء لجنة الحرب الاسرائيلية المصغرة يناقشون مجريات الحرب. وفيما كان نتنياهو يسأل عن صواريخ حماس؛ كان وزير دفاعه غانتس يقول ان ما يحدث في مدينة اللد هو خطر وجودي يفوق صواريخ حماس بمرات كثيرة.
كل الفكرة هنا التي يجب أن يتعلمها العرب بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص، هي ان عدو إسرائيل الأكثر قدرة على إيذاء إسرائيل ، كان ولت يزال هو الفلسطيني ، وليس مهما نوعية السلاح الذي يملكها الفلسطيني؛ بل نقطة قوته وسلاحه الدقيق هو مجرد وجوده، كونه الشاهد الناطق على إغتصاب الأرض منذ النصف الاول من القرن الماضي ، و الشاهد النطاق على خطيئة استمرار غياب الحل العادل لقضية أخر احتلال في العالم .
والواقع ان هذه الحقأئق هي التي تجيب عن أسئلة من نوع لماذا تنفذ إسرائيل يوميا حرب اعتقالات وعمليات تفتيش عن بنادق خفيفة وحتى عن بنادق صيد في الضفة الغربية؟؟.
.. والجواب واضح : لأنه مجرد وجود الفلسطيني داخل اراضي ال ٦٧ وداخل اراضي ال ٤٨ ، فإن هذا يشكل ” اثباتا وجوديا للفلسطيني يلغي الاستقرار الوجودي للاسرائيلي” .. ولأن السلاح مع الفلسطيني فوق ارضه، لا تكمن أهميته بنوعيته وطرازه وطول مداه، بل كل اهميته الكليرة تكمن بمعناه السياسي، وبالشرعية القانونية والاخلاقية التي يتحصن بها ..