الهديل

نريد رئيساً مثل الرئيس البرازيلي (لولا دا سيلفا)

 

كتب عوني الكعكي:

الشعب اللبناني ينتظر على أحرّ من الجمر انتهاء هذا العهد الذي أطلق عليه فخامة الرئيس ميشال عون بنفسه «عهد جهنم» عندما سُئل: الى أين نحن ذاهبون؟ فأجاب: الى جهنم.

انطلاقاً مما قال فخامته، وانطلاقاً من رغبة الشعب اللبناني بانتهاء هذا العهد غير المأسوف عليه اليوم قبل الغد، فإنّ اللبنانيين باتوا ينتظرون نهايته.

وهناك دعاء وتمنٍّ عند كل الشعب اللبناني أن يأتي رئيس جديد يشبه الرئيس البرازيلي (لولا دا سيلفا)، خاصة وأنّ هناك تشابهاً كبيراً بين وضع لبنان المالي والاقتصادي والاجتماعي حالياً وبين وضع البرازيل قبل مجيء الرئيس «لولا دا سيلفا»… وكي نكون دقيقين لا بد من قراءة هذا المقال الذي يحتوي على معلومات قيّمة ونقارن بين الوضع اللبناني والوضع البرازيلي يومذاك.

وهذا ما جاء في المقال..

«في الثمانينات مرت البرازيل بأزمة اقتصادية طاحنة… فأقدمت على الاقتراض من صندوق النقد الدولي معتقدة أنه الحل لأزمتها الاقتصادية.. وطبّقت حزمة الشروط المجحفة، ما أدى إلى تسريح ملايين العمال وخفض أجور باقي العاملين وإلغاء الدعم، فانهار الاقتصاد البرازيلي ووصل الأمر إلى تدخل دول أخرى في السياسات الداخلية للبرازيل، وفرض البنك الدولي على الدولة أن تضيف إلى دستورها مجموعة من المواد تسبببت باشتعال الأوضاع السياسية الداخلية.

ورغم استجابة البرازيل لكل الشروط تفاقمت الأزمة أكثر فأكثر وأصبح 1% فقط من البرازيليين يحصلون على نصف الدخل القومي، وأصبح ملايين المواطنين تحت خط الفقر، الأمر الذي دفع قادة البرازيل إلى الاقتراض من الصندوق مرة أخرى بواقع 5 مليارات دولار، معتقدين أنه الطريق للخروج من الأزمة. لكن الأمور تدهورت أكثر وأصبحت البرازيل الدولة الأكثر فساداً وطرداً للمهاجرين والأكبر في معدل الجريمة وتعاطي المخدرات والديون في العالم (الدين العام تضاعف 9 مرات في 12 سنة) حتى هدد صندوق النقد بإعلان افلاس البرازيل إن لم تسدد فوائد القروض ورفض إقراضها أي مبلغ في نهاية 2002. فانهارت العملة (الدولار وصل إلى 11 الف كروزيرو).. كانت الدولة تحتضر بكل معنى الكلمة.

حتى جاء عام 2003 وانتخب البرازيليون رئيسهم (لولا دا سيلفا).. الذي كان قد وُلدَ فقيراً وعانى بنفسه من الجوع وظلم الاعتقال (كان يعمل ماسح أحذية). لدى تسلمه الحكم خاف الكل منه: رجال الأعمال قالوا: “سوف يأخذ أموالنا ويؤممها”، والفقراء قالوا: “سوف يسرق كي يعوّض الحرمان” لكنه لم يفعل ذلك، وإنما قال كلمته الشهيرة “التقشف ليس أن أُفقّر الجميع بل هو أن تستغني الدولة عن الكثير من الرفاهيات لدعم الفقراء.. وقال جملته الشهيرة أيضاً “لم ينجح أبداً صندوق النقد إلا في تدمير البلدان”. واعتمد على بلده، فوضع بنداً في الموازنة العامة للدولة اسمه (الإعانات الاجتماعية المباشرة) وقيمته 0.5% من الناتج القومي للدولة يُصرف بصورة رواتب مالية مباشرة للأسر الفقيرة. وهذا الدعم كان يدفع لـ11 مليون أسرة تشمل 64 مليون برازيلي، هذا الدعم كان 735 دولاراً. وكان السؤال من أين والبرازيل مفلسة؟!!

الجواب: أنه رفع الضرائب على الكل (ما عدا المدعومين ببرنامج الإعانات)، أي رفع الضرائب على رجال الأعمال والفئات الغنية من الشعب.

والسؤال الآخر: هل وافق رجال الأعمال على ذلك ببساطة؟!

الجواب: وافقوا وكانوا سعداء لأنه منحهم تسهيلات كبيرة في الاستثمار وآلية تشغيل وتسيير أعمالهم ومنح الأراضي مجاناً وتسهيل التراخيص وإعطاء قروض بفوائد صغيرة لمساعدتهم في فتح أسواق جديدة وبذلك لم يشعروا أنها جباية، بل ضرائب مقابل تسهيلات أصبحوا يكسبون أكثر منها.

وبعد ثلاث سنوات فقط عاد مليونا مهاجر برازيلي وجلبوا معهم 1.5 مليون أجنبي للاستثمار والحياة في البرازيل.

واستطاع لولا في أربع سنوات سداد كل مديونية صندوق النقد، بل إن الصندوق اقترض من البرازيل 14 مليار دولار أثناء الأزمة العالمية في 2008 بعد خمس سنوات فقط من حكم لولا دا سيلفا (هو نفس الصندوق الذي كان يريد أن يشهر إفلاس البرازيل في 2002 ورفض إقراضها لسداد فوائد القروض).

بفضل تركيز دا سيلفا على 4 أمور: ١- الصناعة، ٢- التعدين، ٣- الزراعة، ٤- التعليم، وصلت البرازيل لأن تكون سادس أغنى دولة في العالم في آخر عام من حكمه، وأصبحت تصنع الطائرات …

بعد انتهاء ولايتي حكم لولا في عام 2011، وبعد كل هذه الإنجازات الحقيقية، طلب منه الشعب أن يستمر بعد تعديل الدستور ليبقى رئيساً، لكنه رفض بشدة وقال كلمته الشهيرة “البرازيل ستنجنب مليون لولا .. ولكنها لا تملك إلا دستوراً واحداً” وترك الحكم.

يذكر أن البرازيل دشنت أول غواصة نووية (فقط 5 دول في العالم تصنع غواصات نووية أميركا – روسيا – الصين – بريطانيا – فرنسا)، وكانت أول غواصة بالتعاون مع فرنسا… كما دشنت غواصة ثانية في عام 2020 وثالثة هذا العام بصناعة برازيلية صرفة.

النهوض من التخلف ليس مستحيلًا.. إنها إرادة وإدارة، ويحدث في سنوات معدودة فقط والطريقة معروفة ومحددة: الصناعة والزراعة والاهتمام بالفئات الفقيرة والتعليم ولا شيء آخر.

وهذا ما فعلته ألمانيا واليابان في الستينات، كذلك دول شرق آسيا فعلت الشيء نفسه.

ألا ان إرادة الشعب لا تُرَد ولا يقف في طريقها أحد… إذا توفّر القائد البديل المخلص. فهل يكون انتخاب رئيس جديد للبنان… بداية الخروج من الأزمة كما حدث في البرازيل؟

*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*

Exit mobile version