خاص الهديل:
تعتبر إطلالة سليمان فرنجية التلفزيونية المطولة ليلة أمس، أول مشهد في فتح ملف الحملة الانتخابية الرئاسية؛ حيث رشح فرنجية نفسه، وعرض ما يمكن تسميته بأهم ارائه الرئاسية التي لا ترقى إلى مستوى أن تكون برنامجا رئاسيا انتخابيا.
.. وعلى كل حال، قلما وجدنا على مدار تاريخ جمهورية الطائف، مرشحا لرئاسة الجمهورية يقدم نفسه على اساس أنه مرشح برنامج سياسي، بل غالبا ما يتم طرح اسمه للرئاسة الأولى على اساس انه مرشح متوافق عليه دوليا ومن ثم داخليا ؛ بمعنى اخر ، فإن مرشح رئاسة جمهورية الطائف في لبنان ، هو مرشح ما هو مطلوب منه من قبل كل من الناخبين الدولي والداخلي، وليس مرشح برنامج يقول ما يريده فخامته.
والواقع أنه لا يمكن فصل طموح سليمان فرنجية الحفيد للرئاسة، عن تاريخ فخامة الرئيس سليمان فرنجية الجد؛ فالرئاسة في لبنان فيها طموح وراثي ، بمثلما أنه فيها تقاطع حظوظ وفرص وتبدلات أحر ربع ساعة.
وسواء تذكر لبنانيو الطائف ام خانتهم الذاكرة. فإن فخامة رئيس الجمهورية اللبناني كما صنعته نسخة جمهورية ال ٤٣ ، كان لديه مواصفات لبنانية ومسيحية من غير المسموح تجاوزها. وظلت هذه المواصفات قائمة من دون أن يتم السماح بإختراقها، وذلك حتى عشية اندلاع الحرب الأهلية، وبداية سقوط جمهورية ال ٤٣ التي عمليا سقطت مع سقوط هالة موقع رئاسة الجمهورية.
خلال جمهورية ال ٤٣ كانت الفكرة الأكثر ارتباطا بموقع رئاسة الجمهورية في لبنان، تنطلق من المسلمة التي تقول ان مسيحيي لبنان ، يستطيعون كل ست سنوات أن يقدموا للبنان والمنطقة فخامة رئيس لبنان مسيحي تجمع على نخبويته البرجوازية المسلمة في لبنان وكل المنطقة ، بغض النظر عن الرأي السياسي فيه. بمعنى اخر كان موارنة لبنان يتفاخرون بقدرتهم كل ست سنوات على تقديم شخصية نخبوية منهم، تليق بتولي منصب فخامة الرئيس المسيحي الوحيد في كل الشرق الأوسط.
المسلمة الثانية التي كانت محل حفظ خلال جمهورية ال ٤٣ ، تمثلت بان مرشح رئاسة الجمهورية كان بالغالب من حبل لبنان وليس من الاطراف، وكانت خلفية هذه المسلمة تقول ان جبل لبنان هو قلب لبنان، وفيه البيئة المسيحية التي توفر لها أن تتعلم اكثر وتتثقف اكثر، وتعيش التجربة المسيحية داخل الفكرة اللبنانية الوطنية، على نحو اكثر عمقا. وبغض النظر عن الموقف من جعل خطوط تمايز بين منطقة وآخرى، إلا أن المارونية السياسية راعت لفترة غير قصيرة، أهمية ان يكون شخص فخامة الرئيس نخبويا ومتحدرا من تجربة التاريخ العريق للمسيحيين اللبنانيين في حبل لبنان.
والواقع انه بعد تغير احوال البلد مع هبوب رياح الحرب الأهلية عليه، ومن ثم تبدل حال نظامه السياسي، لم يعد هناك مراعاة للمسلمات التي كانت سائدة حول نخبوية فخامة الرئيس وحول منشأ تجربته المسيحية. وصار فخامة الرئيس هو مرشح القوى الأخرى السائدة وغير المسيحية بالغالب، وليس مرشحا تقدمه النخب المسيحية للنخب المسلمة ..
وبعيدا عن المسلمات المنهارة الآن ؛ فقد ظهر فرنجية خلال اطلالته امس انه يحمل كل مواصفات مرشح للقب فخامة الرئيس. قادم من الاطراف وليس من المركز في جبل لبنان ؛ فنخب الاطراف الموارنة يوجد داخل روايتهم لحيثيات ترشحهم للرئاسة، نوع من الاحساس بالمظلومية الممارسة ضدهم من قبل قوى المركز المسيحي، أو من قبل القوى الممسكة بالمركز الماروني والمسيحي.. وفي حالة فرنجية فأن المركز الماروني الذي يضطهد حظوظه هو الرئيس عون ، وبخاصة صهره باسيل الذي رغم كونه من الأطراف، إلا انه يتعامل مع مرشحي الاطراف ، وبمقدمهم فرنجية، على انهم مسيحيو الحظوظ النائية .
لقد تحدث فرنجية امس عن كل حيثيات الأحداث والوقائع ذات الصلة بمعركة ترشحه للرئاسة، وكان أغرب ما في هذه الوقائع هو ان ٧٠ بالمئة من مشاكله الرئاسية تكمن في علاقاته مع محوره وحلفائه، فخلافه العميق مع جهة اساسية داخل المحور ، وهو جبران باسيل، يعتبر العقبة الرئيسه بوجه وصوله لبعبدا.. وعدم نيله الوعد الصادق من حزب الله الذي هو زعيم المحور وحليفه الاستراتيجي، يحول ليس فقط الى عدم وصوله لبعبدا، بل حتى الى عدم مجرد ترشحه للرئاسة .
وخلاصة القول ان المشكلة الكآداء التي تعترض وصول فرنجية للرئاسة موجودة عند حلفائه .. ففرنجية هو أكثر مرشح بين مرشحي الرئاسة الأولى ، يملك أصواتا بين النواب ؛ فهو ينطلق فيما لو صدق معه حلفاؤه من خمسين نائبا ، هم نواب يتوزعون بين كتلتي ” الوفاء للمقاومة” و ” التنمية والتحرير” وبعض النواب المسيحيين المستقلين والسنة القريبين من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري. ورغم هذا الرصيد النيابي الذي يفترض ان فرنجية يملكه من قبل حلفائه، الا انه سياسيا لا يملك الا صوته ؛ كون ترشيحه يخضع لمعادلة ان حزب الله لا يمكنه أن يسير معه إلى قصر بعبدا. من دون موافقة باسيل؛ فيما الحزب يستطيع السير مع ميشال عون وحنى مع جبران باسيل إلى قصر بعبدا، من دون موافقة فرنجية.
.. مشكلة فرنجية انه لم يجد حلا لهذه المعادلة المرة، ولذلك قال امس : هذه آخر مرة اترشح للرئاسة ؛ واضاف ما معناه : اذا تكررت هذه المرة مأساة أن حظي للوصول لبعبدا غير متوفر عند حلفائي، فلن أعود للسياسة مرة أخرى.