شكّلت طهران مساء أمس مسرحاً لمظاهرات غاضبة جديدة، بعد أسبوع من احتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني التي اعتقلتها شرطة الآداب، وأدى قمعها إلى مقتل 35 شخصاً على الأقلّ حتى الساعة، وفق ما نقلت وكالة “بورنا” للأنباء المرتبطة بوزارة الرياضة عن التلفزيون الرسميّ.
في مكالمة هاتفيّة قدّم خلالها التعازي لأسرة عنصر أمن قُتل طعناً الأسبوع الماضي، قال الرئيس إبراهيم رئيسي اليوم إنّ على إيران “التعامل بحزم مع أولئك الذين يعتدون على أمن البلاد وسلامها”، موجّهاً أصابع الاتهام لمتظاهرين غاضبين من وفاة أميني.
أظهرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أمس، تحقّقت منها وكالة “فرانس برس”، رجلاً يرتدي زيّاً عسكريّاً يطلق النار على متظاهرين لم يُحدَّد عددهم حتى الآن، في منطقة شهر ري في جنوب العاصمة الإيرانية. وتُظهر لقطات أخرى محتجّين يركضون أمام فندق “بارك رويال” في شمال طهران، في شارع شهد فوضى وإشعال حرائق. وسُمع دوي ما لا يقل عن ثماني طلقات لم يُحدّد مصدرها.
مواجهات واعتقالات
أوقفت شرطة الأخلاق مهسا أميني (22 عاما) في 13 أيلول، وتوفيت في مستشفى بعد ثلاثة أيام. وقال ناشطون إنّها تلقّت ضربة على رأسها، لكنّ السلطات الإيرانية نفت ذلك، وأكّدت أنّها فتحت تحقيقاً في الحادثة.
وذكر ناشطون ووسائل إعلام أمس أنّ متظاهرين اشتبكوا في مدن إيرانيّة عدّة مع قوات الأمن وأحرقوا سيارات للشرطة وردّدوا شعارات معارضة للحكومة، في وقت أفادت وسائل إعلام إيرانيّة بأنّ الشرطة اعتقلت عدداً غير محدّد من الأشخاص، بينهم الناشط ماجد توكلي والصحافي نيلوفر حميدي، بحسب ما أفاد مقرّبون منهما.
وانتشرت صور على شبكات التواصل الاجتماعي لنساء إيرانيات يحرقن الحجاب، في مقابل تظاهرات مؤيّدة لإلزاميّة تغطية الرأس. ففي مواجهة المتظاهرين الذين وُصفوا بأنهم “معادون للثورة” و”مثيرو شغب” و”متآمرون”، ردّت السلطات بتنظيم تظاهرات مؤيّدة لها بعد صلاة الجمعة.
ونزل آلاف المتظاهرين أمس إلى الشارع في عدد من المدن الإيرانية بناءً على دعوة منظمة حكومية تأييداً لوضع الحجاب، بعد احتجاجات متواصلة منذ سبعة أيام على وفاة أميني التي كانت أوقفتها شرطة الأخلاق بسبب “لباسها غير المحتشم”.
وندّدت منظمات غير حكومية تنشط من خارج إيران بقمع عنيف للمحتجين، بينما تشهد شبكة الإنترنت في كل أنحاء البلاد اضطرابات وانقطاعات، لا سيما بالنسبة الى تطبيقي “واتساب” و”إنستغرام”، فيما أعلنت واشنطن إجراءات “دعم لتدفق المعلومات بحرية إلى الشعب الإيراني”.
“التظاهرة العظيمة”
دعا المجلس الإسلامي لتنسيق التنمية المكلّف تنظيم التظاهرات الرسمية في إيران إلى تظاهرات داعمة للحكومة والحجاب أمس. وقد نقل التلفزيون الإيراني الرسمي مشاهد من طهران وتبريز وقم وحمدان وأصفهان والأهواز وغيرها بدت فيها أعداد ضخمة من المتظاهرين تسير في الشوارع، وقد حمل كثر منهم أعلاماً إيرانية وصور مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي.
وشوهد في بعض المسيرات رجال يتقدمون الى جانب بعضهم، بينما نساء ارتدين التشادور بمعظمهن يسرن مع بعضهن. ووصفت وكالة أنباء “مهر” الإيرانية تجمّعات أمس بأنّها “التظاهرة العظيمة للشعب الإيراني المنددة بالمتآمرين والمس بمقدسات الدين”.
بدوره، وصف المجلس المحتجين بـ”المرتزقة الذين أهانوا القرآن الكريم والنبي، وأحرقوا مساجد وعلم الجمهورية الإسلامية المقدس، ودنّسوا حجاب النساء والأماكن العامة ومسّوا بالأمن العام”، وفق ما نقلت عنه “إرنا”.
وحمّل الحرس الثوري الإيراني على المتظاهرين وندّد بـ”عملية نفسية وحرب إعلامية مفرطة” بدأت “بذريعة وفاة مواطنة”، فيما أشاد بـ”جهود وتضحيات الشرطة”، واصفاً ما يحصل بأنّه “مؤامرة جديدة سيكون مصيرها الفشل”.
وخلال خطبة الجمعة في مسجد جامعة طهران، طلب الإمام سيد أحمد خاتمي “بحزم” من السلطة القضائية “التحرّك بسرعة ضدّ المشاغبين الذين يعنفون الناس ويضرمون النار في الممتلكات العامة ويحرقون القرآن”، مضيفاً: “عاقبوا هؤلاء المجرمين بسلاح القانون”.
استخدام الذخيرة الحية
تخلّلت الاحتجاجات مواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن، وأحرق المتظاهرون آليات للشرطة وألقوا الحجارة باتجاهها، وفق أشرطة فيديو تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وناشطين.
في نيويورك، قال “مركز حقوق الإنسان في إيران” إنّ الحكومة ردّت على المتظاهرين بـ”الذخيرة الحية والمسدسات والغاز المسيل للدموع، وفق أشرطة فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي ظهر فيها أشخاص ينزفون بغزارة”. وبين أشرطة الفيديو المتداولة، يمكن رؤية متظاهرين، يشوّهون أو يحرقون صوراً للمرشد الأعلى علي خامنئي، في تصرفات نادراً ما تحصل في إيران.
وفيما لا تزال خدمات الإنترنت والاتصالات شبه مقطوعة عن البلاد منذ يومين، وبعد تعطّل خدمات “واتساب” و”إنستغرام” منذ الأربعاء، أعلنت واشنطن أمس رفع بعض القيود المفروضة على التجارة مع إيران من أجل السماح “لشركات التكنولوجيا بتزويد الشعب الإيراني مزيداً من الخيارات لمنصات وخدمات خارجية آمنة”.
جاء ذلك بعد أيام من إعلان مالك شركة “سبايس إكس” إيلون ماسك أنّه يعتزم طلب إعفاء من العقوبات المفروضة على إيران من الإدارة الأميركية من أجل تقديم خدمات الاتصال بالإنترنت في الجمهورية الإسلامية عبر أقمار “ستارلينك” الاصطناعية.
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنّ الإجراءات الجديدة “ستساعد على مواجهة الجهود (التي تبذلها) الحكومة الإيرانية لمراقبة مواطنيها وفرض رقابة عليهم”. وأضاف أنّ “الحكومة الإيرانية تخشى شعبها”.
أمّا موقع “نتبلوكس” الذي يعمل من لندن ويراقب حجب الإنترنت في أنحاء العالم، فقد اعتبر أمس أنّ قيود إيران على الإنترنت ترقى إلى “نمط تعطيل يشبه حظر التجول”. وأضاف أنّ الوصول إلى “منصات الإنترنت لا يزال مقيّداً والاتصال متقطع لعدد من المستخدمين”، مؤكّداً أنّ شبكة الإنترنت عبر الهاتف المحمول “توقفت لليوم الثالث الجمعة”.