لدى الدخول إلى صفحتها عبر الـ “فايسبوك” تبدو أمّاً عاديّة بـ”كوفر فوتو” لطفليها، ابتسامة وتعريف بسيط على “بروفايلها”: “اعتنق الإنسانية… ثمّ اعتنق ما شئت من الأديان”. قد يظن البعض للوهلة الأولى من خلال الصور وقبل الغوص في ما كُتب في هذا الحساب، أنّها الأمّ السعيدة التي تعيش حياة روتينيّة كغيرها من النساء. تكوين عائلة صغيرة إلى جانب زوج يشاركها رحلة العمر، وتربية الأطفال ومرافقتهم في مشوارهم الطويل، هموم ومسؤوليات المنزل، المدرسة، العمل وبعض الخلافات التي لا بدّ منها. إلّا أنّ الأمور مختلفة تماماً. مجموعة من البوستات الطويلة التي تروي رحلة معاناة مفعمة بالألم والشجاعة معاً، الممزوجين بأمل لم يخفت منذ نحو العام.
“راجعة ع حضني إنتِ وخيّك يا ماما شاء من شاء وأبى من أبى”، “أنا بحب ماما وبدّي عيش معا”، جملتان على صفحة جولي المقدّم كفيلتان بالتوقّف عند حجم الظلم والتعسّف اللذين تتعرّض لهما هي وولداها، والمهزلة المتسلسلة بإيقاع أبويّ لم تفلح حتى الآن كلّ صرخات القهر في إيقافها.
وفي منشور آخر، صورة لليليان شعيتو، الأمّ التي أُصيبت في رأسها في انفجار مرفأ بيروت، وهي تحتضن اللّعبة على سريرها في المستشفى. “إنتِ سنتين وأنا صرلي سنة ما شايفة أولادي ومعي حكم ساري التنفيذ. بس الفرعون حرّ ما بدو يفرجيني أولادي ومصرياته ووسايطه سمحولوا يشتري رؤوس الكلّ بالمحاكم الجعفرية وغيرها… بس ما بيشتري الله وعدالته”.
في ذكرى عاشوراء الأخيرة، قامت جولي بتوزيع صناديق من المياه مرفقة بعبارة “اللهم يا جامع الناس في يومٍ لا ريب فيه، اجمع بين جولي وأولادها عاجلاً”، ونشرت مجموعة من الصور التي توجّهت من خلالها إلى “أصحاب العمامات” بالقول: “اشربوا هذا الماء المقدّس، لعلّكم تفقهون، لعلّكم تستحون، لعلّكم تشعرون”.
وفي انتظار عيد ابنتها في الثاني عشر من هذا الشهر، يليه عيد ابنها بعد نحو الشهر تقريباً، تروي جولي لـ”النهار” بحرقة قصّتها، تسردها بقوّة، تفاصيل تشبّهها بتلك التي تحدث في الأفلام، خطف ومخافر، رؤية الأطفال من بعيد تجنّباً لـ”الجرصة”، وتقول: “ما شجّعني على الكلام عن قصتي في الإعلام هو إيصال الصوت، وأنّ عددًا كبيرًا من النساء اللواتي لا يمتلكن الوسيلة لإيصال أصواتهنّ وكذلك الخوف الذي يعشنه، وما حصل معي لم أكن أتوقّعه علماً أنني عشت مع طليقي 14 عاماً من العداوة والمناوشات والمشاكل، وسكوتي كان من أجل الأولاد، ولكن عند حصول الطلاق، أوّل ما قام به سحبهم منّي”.
تضيف: “ابنتي عمرها 11 عاماً والصبي 14، وهما مدركان لكل ما يحصل. وعند طلاقي، لم تسأل المحكمة لا عن #الحضانة ولا عن تفاصيل الطلاق ولم يحصل أيّ اتفاق ولا أيّ كلام في الموضوع. ذهبت إلى المحكمة المدنية وتقدّمت بشكوى، حصلت على حكم بظرف أيام عدّة يجيز لي رؤيتهما 3 أيام في الأسبوع من الجمعة الساعة 11 وحتى الأحد الساعة 11 أيضاً، إلّا أنّ الحكم لم ينفّذ علماً أنّ المحكمة كانت ستصدر قراراً بحبسه في حال عدم تمكّني من رؤيتهما خلال مدّة حدّدتها، استدرك الأمر وذهب إلى القاضي باكياً حيث ادّعى بأنّ الأطفال لا يريدون رؤيتي. طلب منه القاضي أن يحضرهما إلى المحكمة المدنيّة وحصل ذلك”.
تستغرب جولي حالة التوتر والخوف التي كانا عليها في المحكمة، واصفةً المشهد بـ”المرعب”. وما بين الاشتياق لوالدتهما بعد رؤيتها والخوف من نظرات والدهما المرعبة، يقفان أمامها، ليقوم القاضي بالطلب من مندوبة الأحداث كتابة تقرير خلال الجلسة حول حالة الأولاد دون الجلوس معهما بشكل منفرد.
فصول معاناة جولي لم تنته عند هذا الحدّ، تقول إنّها في اليوم التالي من الحضور إلى المحكمة قامت بالاتصال بطليقها الذي قال لها: “بس صرمايتي إذا بدّا بتشوفي الولاد، لا قاضي ولا شرع ولا محكمة بفرجوكي ياهن”. أحضر الولدين، وبكلمات مؤثّرة تقول جولي: “عبطوني وصاروا يبكوا، ماما سامحينا ما كنّا بدنا نقول هيك بس بابا جبرنا حرقتيلنا قلبنا مبارح”. اللقاء استمرّ فقط مدّة ساعتين والابن “ممنوع يبقى”، حيث فرض عليها طليقها أن ترى أحدهما وكلًّا منهما بمفرده، “ممنوع شوفن تنيناتن مع بعض”. ومنذ ذلك الحين والأمّ محرومة من رؤيتهما وحتى الاتصال. تقول جولي “أوامر ما أتت بمنعي من رؤيتهما بحجّة أنّ الطفلين تغيّرا مع العمّة والجدّة”.
جولي التي سألناها عن غياب التواصل مع أيّ طرف من قبل الأب، تقول: “قطع طريق التواصل عليّ مع الأقارب وأصحاب الأولاد حتى، وأقفل كلّ حساباتهما في السوشيل ميديا. كما وجّه إليّ اتّهامات بأنّ معاملة الأولاد للأب ولجدتهما وعمّتهما تغيّرت عندما التقيت بهما”.
تكشف جولي لـ”النهار” أن الطفلين يعيشان في بيتين منفصلين أحياناً، الصبي عند جدّته والبنت عند العمّة، كما أن الأب غير موجود معهما.
حاولت جولي عن طريق المخفر رؤية طفليها، حيث أخذت الحكم لرؤيتهما هناك، إلّا أنّ الأمور كانت أكثر تعقيداً هناك. تمّ الاتصال بطليقها سرّاً. لم تُعامل جولي على أنّها الأمّ المحرومة من أطفالها بل “كالمجرمة والمعتقلة” صرخ المحقّق هـ.ف. بها وتمّ أخذ أقوال الزوج ولم يأخذ أقوالها.
على ضوء أقوال الزوج، توجّه عناصر من المخفر إلى منزل الجدّة لأخذ أقوال الأولاد، علماً أن الأمّ كان يفترض أن تلتقي بهما في المخفر، ليعود المحقق بعد أن تجاهل حجم الضغط الذي مورس على الأولاد ويخبرها “ما بدّن ياكي”. تصف جولي طليقها بأنّه صاحب نفوذ، وتقول إنّ الطفلين أخبرا بأنّ الأمّ سجنت والديها من خلال سيناريو اختلقته العمّة، وقام المحقق بالاتصال بمندوبة الأحداث عبر الفيديو لحظة وجود العناصر في المنزل لكتابة تقرير حول رفض الأولاد رؤية والدتهما وأخذ أقوالهما.
وفق جولي، كان طليقها متزوجاً قبلها وسبق أن عاش تجربة مشابهة حيث حرم زوجته الأولى من رؤية ابنها، علماً أنّها كانت إحدى قريباته.
لا تستهوي جولي فكرة الاستسلام والبكاء، وتصرّ على أنّها تحاول الخروج من المشكلة والبحث عن حلّ وتقول “في ولاد بدّن يشوفوا إمّن قوية وأحارب كرمالن”.
جولي المقدّم اليوم معلّمة في إحدى المدارس، لم تقصد طريق المحكمة الجعفرية لأنّها “لم تفدني بشيء، وكل همّن كان ما يُعرف بهدية النكاح”. وتقول: “حصل على إجازة سفر للأولاد علماً أنّ بعض الأمور لا يزال عالقًا، فأنا كأمّ مطلّقة لا أرى طفليَّ ولا أستطيع التواصل معهما، فكيف يصدر هكذا قرار؟!”.
كلّ همّ جولي اليوم أن ترى طفليها يضحكان، وقالت: “لا أريد أن تتأذى نفسيتيهما، بالعكس أنا مستعدّة أن أبقى بعيدة “لو بدّي إدعس ع قلبي” في الوقت الحالي، فإذا قصدتهما في أماكن وجودهما “لا أنا قادرة قرّب ولا هنّي”، “ما بدّي ياهن ينقهروا”، ولكنّني سأحارب من أجل “غمرة”.
جولي التي تقول إنّها تتعرّض لمضايقات عبر حسابات وهمية في السوشيل ميديا، تتوجّه بصرختها للإعلام والجمعيات للمساندة بعد فقدان الخيارات، لعلّ أحداً يلتفت للجريمة التي يقوم بها، “إذا كرّهن بإمّن مين بدّن يحبّوا”، مؤكّدةً أنّها لن تستسلم لأنّ “أولادي روحي”.
من الآن وإلى أن تستيقظ ضمائر الجهات المختصّة من نومها العميق، وعلماً أنّ حكاية جولي ومعاناتها ليست الأولى وحتماً لن تكون الأخيرة، يزداد خوف النساء من الطلاق وكذلك خيبتهنّ لحرمانّهن من أطفالهنّ، في مجتمع يعتبر مسألة حضانة الأم موضوعاً للنقاش والأخذ والردّ، وكأنّ الحقيقة تحتمل وجهات نظر!