خاص الهديل:
في الغرب وفي المنطقة، بات يوجد قناعة بأن الأزمة الاوكرانية مستمرة لفترة طويلة؛ وبأن كل يوم جديد فيها، يحمل تحديات اضافية على أمن العالم العسكري والاقتصادي والغذائي.
وهناك خطران على الاقل إنطلاقا من نافذة الحدث الاوكراني خلال الأسبوعين الماضيين؛ الأول هو تسرب معلومات بأن روسيا تتجه لتبني” إستراتيجية الهجوم خارج أوكرانيا” من خلال توسيع ميدان الاشتباك مع داعمي أوكرانيا، وبخاصة واشنطن . ولا يعني ذلك أن موسكو تفكر بغزو الدول الأوروبية الجارة لاوكرانيا؛ فهذه الدول محمية من الناتو؛ أضف ان روسيا لم يعد لديها جيش يكفي للإنتشار في ميدان أوسع من أوكرانيا.
.. ما تفكر به روسيا هو العودة للحرب الباردة الجزئية ، اي قيادة معارك ضد أميركا في مناطق النفوذ وعبر حلفاء. وأفضل منطقة مناسبة لتنفيذ هذه الاستراتيجية هي منطقة المشرق العربي التي يوجد فيها قوة عسكرية وازنة لروسيا في سورية ، بمقابل وجود عسكري لاميركا في سورية وفي العراق، وحيث هناك اوراق رابحة بيد نوسكو ؛ مثل الورقة الفلسطينية وورقة غاز المتوسط!! .
والسؤال الآن ، هو هل يشهد الوضع في المشرق عودة دراماتكية لأجواء الحرب الباردة؟؟.. وهل تنتقل روسيا إلى مرحلة المواجهة الباردة مع أميركا في سوريا والعراق ولبنان؟!.. وهل يكون غاز المشرق احد عناوين هذه المواجهة مما يطيح بمهمة هوكشتاين؟؟!.
الموضوع الخطر الثاني المتصل بالحدث الاوكراني ، تمثل بأنه بمجرد أن هدد بوتين باستخدام القنبلة النووية ؛ فان الغرب اشاع صدى نفسيا تقصد ان يوحي بان تهديد بوتين له منزلة الاعتداء النووي الفعلي؛ ما يعني ان الغرب بات يتعامل معه وكأنه قام فعلا باعتداء نووي. وعليه يتجه الغرب للتعامل مع بوتين على انه هتلر أوروبا الجديد، وانه أحتمال نووي قائم وفعلي وجدي وليس إحتمالا إفتراضيا ..
ويلاحظ أن المجتمع الدولي ” الغربي” ، يتصرف بعد تصريح بوتين النووي، وكأن الحرب النووية وقعت فعلا، وما يجري فعله الآن هو احصاء خسائر أوكرانيا المادية، واحصاء خسائر أوروبا الاقتصادية ، واحصأء مرابح واشنطن الدعائية، وتفنيد خسائر روسيا الناجمة عن استدتد عزلتها الاوروبية بعد فعلة بوتين النووية.
والواقع ان بوتين بتهديده النووي، إنما يكرر الأخطاء الاستراتيجية التي ضربت كل انجازته التي حصلها خلال العقد الماضي، سواء في اوروبا التي انفتحت عليه، وفي المياه الدافئة التي وصل إليها، وبنى قاعدة كبرى فيها، في حميميم.
وهناك أراء روسية اليوم، تقول أن ما يحتاج بوتين اليه في هذه اللحظة هو ان يحاط بمستشارين صادقين ؛ يذكرونه بالمسلمات الاستراتيجية التالية :
المسلمة الأولى مفادها الاعتراف بأن توغله في أوكرانيا كان خطأ كبيرا، ولم يكن هناك مبرر له؛ فروسيا ليس لها مصلحة بإشعال حرب بجوارها، وبإضرام النار داخل حديقتها الخلفية والديموغرافية، علما انها كانت تستطيع إدارة الأزمة داخل فضائها الاوراسي وداخل أوكرانيا، بغض النظر عن الجهة التي تقف وراء افتعال هذه الأزمة
و الفكرة الرئيسة هنا. هي ان الرئيس الأميركي جون بايدن افتعل أزمة أوكرانيا، ليس لأنه يريد إضافة وضم “عبء أوكرانيا إلى نادي التاتو” ، بل لأنه كان يريد إدخال روسيا إلى “نادي عبء الأزمة الاوكرانية”.
كان يجب على بوتين أن يحافظ على ابقاء الحدث الأوكراني داخل مستوى أنه أزمة اوكرانية قابلة للحل. أو قابلة للتعايش معها حتى من دون حل ، وكان يمكن لبوتين أن يدير الأزمة الأوكرانية من وراء الحدود ، مع الإحتفاظ بهيبة روسيا العسكرية من دون تعريضها للإختبار ؛ كون هذه الهيبة غير المختبرة ، كانت هي قوة روسيا النووية الفعلية والعملية، وهي قوة روسيا التقليدية المخيفة، وهي قوتها النفسية التي لا تقاوم ؛ ولكن هذه القوة صارت قابلة للتبدد منذ تلك اللحظة التي سمحت فيها روسيا لاعدائها بإختبار قوتها سواء في اوكرانيا، او في المحيط الاوراسي.
المسلمة الثانية التي يجب على بوتين أن يسمعها من مستشاريه في هذه المرحلة هي ان موسكو لا تستطيع أن تستمر من دون أن تعترف بخسارتها في أوكرانيا، وعليه فإنه بدل ان تحشد المزيد من قوتها للاستمرار بالحرب، فان على موسكو ان تحشد كل شجاعتها حتى تحدد مدى الخسارة التي تستطيع أن تتحملها في أوكرانيا. وهذا السلوك المعترف بالواقع، هو النهج الوحيد الذي يستطبع ان يغير المسار الراهن للكارثة الذي يسير فيه بوتين.