أكّد وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى أنّ “الرئيس الراحل جمال عبد الناصر صمد في وجه العدوان، حتى صار رمز التحرير العالمي بعدما غنّت له إفريقيا، وعلّقت فلسطين عليه آمالها، وما برح صوته يهدرُ في المجامع والأسماعِ وهو يُلْهِبُ عزائم أبناء هذه الأمّة ويبث فيهم العزيمة والعزّة والوعي لخطر اسرائيل”.
وقال: “أمّا نحن هنا في لبنان، فنطمئنُه أننا قاتلناها وانتصرنا عليها وسنبقى على عهد النصر حتى تعود إلينا الحقوقٌ المسلوبةُ كلُّها.”
كلام المرتضى جاء خلال كلمة ألقاها في الذكرى 52 لغياب الرئيس جمال عبدالناصر، بدعوة من حزب “الاتحاد” خلال حفل اقيم في قصر الاونيسكو – بيروت.
واستهل المرتضى كلامه: “وراء الجِنَازةِ سارتْ قُريشٌ، فهذا هشامٌ.. وهذا زيادْ، وهذا يُريقُ الدُّموعَ عليكَ، وخِنْجَرُهُ تَحْتَ ثَوْبِ الحَدادْ، وهذا يُحاول بَعْدَكَ مُلْكًا وبَعْدَكَ، كلُّ المُلوكِ رَمادْ مفارقةٌ، أن يقول نزار قباني هذا الكلام في عبد الناصر، بعدما لسعه بألذع الشعر إثر الهزيمة، ومِثلَه فعل الشاعرُ أحمد فؤاد نجم، الذي أَخَبَرَتْهُ أمُّه في سجنه باكيةٌ، أن عبد الناصر مات، فسألها: أتبكين على من سجن ابنك؟ فأجابته: إن عمود الخيمة قد وقع، فرثاه بقصيدةٍ من اللهجة المصرية ما زالت ملء الألسنة والشفاه والعواطف”.
وقال: “كثرةٌ هائلة من أهل الفكر والرأي وجموع الناس، حَمَّلَتْهُ جُزْءا من مسؤولية الهزيمة، ولامته على هشاشة القيادة العسكرية، وعلى عدم الاستعداد ونسف الجسور قبل الأوان، إلّا هو، الاّ جمال عبد الناصر، فلقد أعلن في تلك الأمسية الشهيرة بصوته الجريح، شجاعةَ تَحَمُّل المسؤولية الكاملة، متَنَحِّيًا عن الحكمِ والقيادة، وواضعاً نفسَه تحت المحاسبةِ مهما كانت صارمةً وقاسية.”
وأضاف المرتضى: “في تلك اللحظة المأسوية اكتسب عبدُ الناصر شرعيتَه الشعبية التي فاقت حفاوةَ العرب بثورة يوليو، وتأميمَ قناةِ السويس، وإعلانَ الوحدة، نعم فاقتها، لأنّها انبثقت من الحزن لا من الفرح، ومن الألم المعاند لليأس، بل من هول الفاجعةِ التي جعلتِ الشوارع العربية نهورًا من بشرٍ هادرين بصوتٍ واحدٍ، كأنه الأمرُ المبرمُ: ألا فلْتصمُدْ وَلْتَبْقَ وَلْتَقُد، فأنت لا تملِكُ التنصلَ من أهلك، ولا تملك حتى حق الانتحار، فالهزيمة لا تقاسُ بمساحات الرمال المحتلة، بل بمساحات الإرادة؛ وإذا كان جيشك قد هزم، فأنت أهلٌ لاستعادة تاريخ الجندي المصري وتوظيف بسالته، وإذا كانت مصر قد طُعِنَتْ فكل أقطارِ العرب دروع، فمن كان يصدق بعد هذا أن تستقبله الخرطومُ بمليونية تاريخية، وتحملُ سيارته وتملي على الحكام العرب كما أملت عليه، أن لا وقت للنزاعات الجانبية، فلا مجال إلا للتضامن والنهوض من الكبوة، حتى حاز بذلك مشروعيةً رسمية تضاف إلى مشروعية الجماهير. وكان ذلك منطلقًا لإعادة تكوين الثقة بالقدرة على النهوض، عبر تعيين أحد أهم العسكريين في العالم، اللواء عبد المنعم رياض رئيسًا للأركان، فأعاد تشكيل الجيش المصري نافضًا عن معنوياته غُبارَ الهزيمة، ثم انتهى به العمر شهيدًا على خط المواجهة الأول.”
وتابع وزير الثقافة: “أما مشروعية الجماهير فكان عبد الناصر المثل الأكبرَ عنها، يوم امتنع العمال في أحد مرافئ نيويورك، عن تفريغ السفينة المصرية كليوباترا، وذلك طبعًا بضغطٍ من اللوبي الصهيوني، فما كان من عبد الناصر إلا أن أدلى عبر الإذاعة المصرية بتعليقٍ قال فيه: حسنًا، بعد اليومِ لن تُفرَّغَ سفينةٌ أميركية واحدة في أيٍّ من الموانئ العربية، وهذا ما حصل تلقائيًّا باستجابة عفويّة،حتى اضطرّ الأميركيون إلى تفريغ حمولة السفينة المصرية في أربعٍ وعشرين ساعةٍ فقط، من دون مفاوضات أو شروط”، مستطردا “ولا بد أن نذكُرَ في هذا المجال، كيف أن الشعب الجزائري الذي كان يعترف بفضل عبد الناصر على استقلاله صاح صيحة واحدةً عبرت الأطلس والأطلسي قائلة: عبدَ الناصر سِرْ أو مُتْ. ولقد سار إلى أن مات فاكتسب بذلك شرعيتَه الخالدة التي لم يتسنَّ له بعد ذلك أن يلوِّحَ لها بيمينه، ويُشِعَّ عليها بضِحْكتِه، فلقد سار الشروقُ بشمسه متعجلًا نحو الغروبِ، مستودعًا ليل الضريحِ رفاتَ أنوار المغيبِ.”
واردف قائلًا: “منذ سبعين، لبّى عبدُ الناصر نداءَ الفلاح الفصيح، وسلَّمَه سند ملكية عقاريةٍ بالفدادين الخمسة. ومنذ سبعين عَمَّمَ التعليمَ المجانيَّ وقلَّصَ الفوارقَ الطبقيَّةَ، وبعدها بقليل أعاد القناة إلى جسدها الطبيعي شريانًا ينبض بدماء الحفارين الجدود، ثم صمد في وجه العدوان، حتى صار رمز التحرير العالمي بعدما غنت له إفريقيا، وعلقت فلسطين عليه آمالها”، لافتًا الى ان “صوت جمال عبد الناصر ما برح يهدرُ في المجامع والأسماعِ وهو يُلْهِبُ عزائم أبناء هذه الأمّة ويبث فيهم العزيمة والعزّة والوعي لخطر اسرائيل”.
أضاف: “أمّا نحن هنا في لبنان فنطمئنه أننا قاتلناها وانتصرنا عليها وسنبقى على عهد النصر حتى تعودَ إلينا الحقوقٌ المسلوبةُ كلُّها.”
وختم المرتضى: “وكما بدأْتُ بنزار أستعير، أيها الأحبة، لسانه في الخاتمة:هذا خطـابٌ عاجـلٌ إليكْ، من أَرضِ مِصْـرَ الطَّيَبةْ، من ليلها المشْغُولِ بالفيـروز والجواهِرِ، ومن مقاهى سِّيـدي الحُسَيْنِ، من حدائق القناطرِ، من تُرَعِ النيل التى تَـَركتْها… حزينةَ الضفائرِ، هذا خطابٌ عاجـلٌ إليكْ، من المـلايينِ التى قد أدْمَنَتْ هَوَاكْ، من المـلايين التى تُريدُ أن تَرَاكْ، عندي خطـابٌ كلُّهُ أشْجَانْ، لكنني… لكننـى يا سيّدى لا أعرفُ العنـوانْ”.