عرفته منذ زمن ( رحمه الله) كان يحمل في قلبه جبالا من الحماسة والصبر ، وفي رأسه فضاء من الفكر ، لا يستقر عند حدود الحس الزائل.
كان يمثل الطليعة في جميع أفكاره وآرائه وكتاباته التي ملأت المكتبات والصحف والفضائيات والإنترنت وغيرها ببساتين مما لذ وطاب ، وراق النفوس وقوم المسيرة…
كنت أعرف في القرضاوي هذه الصفات وأنا شاب من خلال كتبه ومقابلاته وكتاباته في العديد من الصحف والمجلات من قبل أن اجتمع فيه واتعرف إليه عن قرب كما عرفتهُ من خلال مشاركتي في العديد من المؤتمرات فلما رأيته أربى النظر على السماع ، ولما سمعته زاد في قلبي إشعاعاً وأدركت أن الرجال يجترحون ما يشبه المعجزات بكراماتهم عند الله سبحانه وتعالى.
وحسبك من علم وفكر القرضاوي أنه غدا مدرسة يجتذبها العلماء وصناع الكتابة وكل صاحب فكر نير ، حتى أصبح ( رحمه الله) معلما شانه شأن الأوزاعي ومالك وإبن حنبل وأبي حنيفة النعمان …
وقد ارتقى القرضاوي في منهجه الدعوي المتميز ، فلم يعد يرتضي حدود الحزبية ولو كانت دينية ، ولا الإقليمية في عصر الاقليمات والحدود المصطنعة .
لقد حمل في صدره هما واحداً ملازماً له حتى إنتقل الى بارئه ، هذا الهم هو الإسلام الذي عاش له أكثر من تسعة عقود من الزمان لا يهدأ ولا يفتر ، ولا يسلم زمام مسيرته الى غيره ، ولا يستسلم الى يأس رغم كثرة المعوقات ، ولا عرف الوَهَنَ على ما عاناه حتى من أولي قرباه، ولا كان متهالكا على سلطة أو شهرة أو مادة فسعت إليه هذه كلها مجتمعة تجرُّ أذيالها منبهرةً بأثواب العز التي تجلبب بها ضريعُ العزّ بن عبد السلام وأحمد بن حنبل وغيرهما من العلماء المجاهدين الأوفياء .
رأيته يتحسر على الدعاة الذين تحولوا الى تجار متمولين ، ويبكي على العلماء الذين أسفُّوا حتى شارفوا على هاوية العوام من الناس ، وينتحب على اللغة العربية التي تلاشت عند أهلها .
وإذا كان لي ولأمثالي أن يكتبوا في القرضاوي خواطرهم ، فهي خواطر الفراش الحائم حول النور في دياجير الحياة المظلمة ..
وخوفنا ليس على ذلك العالم الجليل ، نسأل الله له الجنة ، ولكن الخوف على الأمة التي كاد يُتَودَّعُ منها ، فالعلم لا ينتزع إنتزاعاً ولا يُرفَعُ عن الأرض إلا برفع العلماء وقبض ارواحهم ليكونوا عند بارئهم الرحمن الرحيم
فسلام على القرضاوي في الأولين ، وسلام عليه في الآخرين ، وأدخله ربه جنات النعيم
والحمد لله على ما أعطى والحمد لله على ما أخذ ولا نقول إلا ما يرضي الله
إنا لله وإنا إليه راجعون
اخوكم الشيخ مظهر الحموي