خاص الهديل:
دعوة الرئيس نبيه بري لجلسة لانتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس المقبل ، فاجأت بعض السياسيين ، فيما البعض الآخر لم يفهم غاياتها ولا خلفياتها، وهناك بعض ثالث إعتبرها احد تكتيكات ” ابو مصطفى ” للرد على تشدد الرئيس عون بخصوص تعويم حكومة ميقاتي.
وبكل الأحوال، فأن بري وفق الدستور مطلوب منه الدعوة لانتخاب رئيس للجمهورية، رغم ان البعض أو حتى الكثيرين يعتقدون انه كان من الأفضل لبري – طالما أن الدستور يمنحه مزيدا من الوقت للدعوة لعقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية – أن ينتظر حتى يصبح هناك توافق على اسم مرشح او أسم مرشحين للرئاسة؛ وحينها يدعو لجلسة تكون منتجة ، بدل ان يدعو لجلسة محكومة بان تتعرض لعملية تطيير النصاب ، الامر الذي يجعل استحقاق رئاسة الجمهورية يدخل منذ وقت مبكر في نفق عمليات تطيير النصاب المتتالية .
ولكن لماذا بري دعا لجلسة يوم الخميس لانتخاب رئيس للجمهورية ؟؟.
هناك عدة اجابات عن هذا السؤال، وجميعها افتراضية، وتقول الشيئ وعكسه. ولكن في الطريق لتوخي الإجابة المنطقية عن هذا السؤال، لا بد من التوقف عند العلامات و المعطيات التالية :
اولا – كان بري قال منذ فترة ان شهر اب هو شهر التشريع. وقال حينها ايضا انه لن يدعو لانتخاب رئيس قبل أن يصادق البرلمان على القوانين التي تسمح بتنفيذ البنود الإصلاحية التي طلبها صندوق النقد الدولي .
ثانيا – ما حصل في جلسات التشريع الأخيرة هو ان قانون الكابتيل كونترول كما طلبه صندوق النقد الدولي لم يصادق عليه في البرلمان ، كما ان كلا من الموازنة المقرة ، وسعر الدولار الجمركي المحدد، لم يحظيا برضا صندوق النقد الدولي. وعليه فان بري ادار ظهره لفكرة تأمين طلبات صندوق النقد الدولي من قبل البرلمان قبل ان يعقد الاخير جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ، وبدلا من ءلك قرر بري لذهاب لوضعية ان يصبح محلس النواب هيئة ناخبة، يجمد عمله التشريعي وفق قراءة بري للمادة ٧٥ من الدستور التي تنص على ” أن مجلس النواب الملتئم لانتخاب الرئيس يعتبر هيئة انتخابية لا إشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أو عمل اي شيئ اخر” .
.. لكن هناك الكثيرين. من رجال القانون الذين يخالفون تفسير بري لهذه المادة ويقولون انه لا يمكن منع مجلس النواب من التشريع في المرحلة السابقة لجلسة انتخاب ” فخامة ” الرئيس أو في المرحلة اللاحقة لها.
.. والى هذا الحد ، يبدو واضحا ان بري يريد ترحيل الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي إلى العهد المقبل الجديد ، وبانتظار ذلك لن يكون هناك في البلد وداخل مجلس النواب ، الا معركة واحدة، وهي معركة انتخاب رئيس جديد للجمهورية..
ثالثا – ثمة من يقول ان بري يريد توجيه رسالة لعون، وتحديدا لباسيل، مفادها ان عهد عون انتهى دستوريا وايضا سياسيا وأنه لن يكون له تتمة داخل البرلمان و في كل الحياة السياسية في البلد. وذلك ابتداء من يوم غد الخميس.
وبكلام أوضح فأنه مع حلول موعد جلسة يوم غد الخميس، سيكون هناك أجندة واحدة لمجلس النواب ولكل كتله ، وهي انتخاب رئيس بدل عن عون؛ وهذا يعني أنه فيما لو كان باسيل يريد استخدام المجلس النيابي في هذه الفترة الحرجة، كساحة لتمرير مناورات سياسية فيه، انطلاقا من طرح نقاشات عن مواضيع اصلاحية خلافية، فإن المجلس الذي أصبح هيئة ناخبة وليس إشتراعية، لن يستقبل مناوراته.
.. وبخسارته ملعب البرلمان كي يمارس فيه “مزايداته” كما يقول خصومه، لم يعد لباسيل الا ملعب الشارع المكلف له والمحفوف باخطار سياسية كبيرة عليه.
وهناك من يتندر ويقول إنه بمثلما بايدن استدرج بوتين إلى الأرض الموحلة في اوكرانيا ، فإن بري يستدرج باسيل إلى الشارع الموحل اللبناني، ويستدرج التيار الباسيلي الحر إلى خطوة تطيير نصاب انتخاب الرئيس ، ويستدرج القوى الآخرى الحليفة له والمتخاصمة معه، إلى حفلة ارباك كبرى يوم غد الخميس.
والواقع ان بري في خضم ارباك معظم القوى السياسية حيال استحقاق انتخاب فخامة الرئيس العتيد، فهو يقف على منصة المجلس النيابي مع مطرقته التي ستحدد شروط لعبة “ابو مصطفى” اللبنانية، وذلك بانتظار وصول كلمة سر اللعبة الدولية الى بيروت ، المحمولة ربما في حقيبة أموس هوكشتاين الذي اءا نجح في ترسيم حدود البحر ، سوف يكون لذلك نتائج في ترسيم مقاس بدلة فخامة الرئيس العتيد .
رابعا – ثمة من يربط بين شروط عون لتعويم حكومة ميقاتي وبين دعوة بري لانتخاب رئيس يوم غد الخميس؛ ويرى هؤلاء أن بري يريد وضع الجميع أمام حقيقة قطع الحوار مع العهد على اعتبار انه لم يعد لديه فعالية ولو على مستوى تعديل الحكومة ، وأن البلد ذهب إلى أفق اخر وهو بدء عمل مجلس النواب كهيئة ناخبة فقط، و المحاولة المرة بعد المرة انتخاب رئيس جديد للجمهورية .