كان عبد الرحمن سوبرة منشغلاً في محله لبيع الهواتف وأكسسواراتها في طريق الجديدة عندما زرناه. حادثة اقتحام المصرف الجمعة 16 أيلول الماضي صارت خلفه. هي «أصلاً ليست اقتحاماً». تستفّزه هذه التسمية، ويفضّل أن يسميها ممازحاً «اقتحام كلاس»، لأنه لم يؤذِ أحداً، وإنما هدّد بقتل نفسه، واكتفى بالصراخ وبكسر لوح زجاج ومجموعة ألواح بلاستيكية. كما لم يحتجز موظفين ومودعين بل بقي معه المدير ونائبه فقط. أما السلاح الذي كان بحوزته يومها فهو «لا يفارقني بغرض الحماية الشخصية، ولم أرفعه بوجه أحد، وقد سلّمته على الفور عندما سُئلت عنه».
يعيد سوبرة الاقتحام «الناعم» الذي نفذّه إلى علاقته الطيبة مع الموظفين، لذلك كان يصرخ في وجههم ثم يعتذر منهم. لكن، حتى لو كان المصرف خارج طريق الجديدة، يجزم أنه لم يكن ليرفع سلاحاً بوجه موظفين لا ناقة لهم ولا جمل
كشف سوبرة السبب الحقيقي وراء هجومه على المصرف. هو ليس مديوناً لأحد، بل قال ذلك «لكسب تعاطف الناس». و»صيت الفقر» هذا أضرّه لأن «التجار ظنوا أنني أفلست وراحوا يطالبونني بأموالهم». ما حصل أنه تخوّف من إقرار «الكابيتال كونترول» التي «ستقضم 70% من الوديعة إذا تجاوزت المئة ألف دولار»، كما يعتقد، لذا أراد أن يسحب منها حتى لا يخسرها. أما التوقيت، فيعود لاستيقاظه على رسالة من تجار في الصين يطالبونه بالأموال، بالتزامن مع اقتحام مصرف في الغازية، ما مدّه «بجرعة من الحماسة». لم تأتِ الأموال إلى عبد على طبق من فضّة حتى يتنازل عنها، وإن لم يكن بحاجتها بشكل ملحّ. فهو بدأ عمله بائعاً جوالاً لقطع الهواتف على الدراجة النارية، قبل أن يفتتح سلسلة محال.
دخل عبد المصرف غاضباً يطالب بوديعته، وخرج بعد 10 ساعات من المفاوضات، في ظلّ احتضان شعبي كثيف من أبناء طريق الجديدة الذين تجمّعوا أمام باب المصرف، وتغطية واسعة لوسائل الإعلام. رغم ذلك لم يستوف أيّ جزء من أمواله. كان ذلك صادماً وأثار شفقة البعض على «المودع المظلوم». إلا أن عبد حصل على 600 مليون، أيّ 50 ألف دولار على سعر صرف 12 ألفاً للدولار الواحد، بعد إطلاق سراحه. وهو ما جرى الاتفاق عليه بعد سلسلة مفاوضات مع إدارة المصرف شارك فيها النائب أشرف ريفي والشيخ محمد أبو القطع. لا يزال هناك مبلغ عالق، سيفاوض عبد لتحريره وإلا «أكرّر الدخول بالطريقة ذاتها»، لكن «هذه المرة من دون سلاح بل بمؤازرة المحبين»، يقول ممازحاً.
لماذا وثق عبد بالمصرف، وصدّق أن مفاوضيه سيفون بوعدهم علماً أنهم لم يحفظوا وديعته؟ يجيب: «تدخل ريفي ريّحني، كذلك الشيخ أبو القطع الذي تعهد أنه في حال نكث المصرف بوعده معنا سينزّل ألفي شاب بعد خطبة الجمعة إلى المصرف». خلافاً لما وصفه البعض «استعراضاً»، يجد عبد أن حضور ريفي أفاده وفتح باب المفاوضات مع إدارة المصرف التي رفضت أي عرض غير تسليمي 40 ألف دولار على سعر صرف 12 ألفاً.
بعد نحو ساعة من حضور ريفي، ذلك اليوم، انقسمت الآراء بين مؤيّد لسوبرة وبين معارض له. التسييس غطّى على حادثة الاقتحام وتحوّل الحديث بين المتضامنين إلى خصوصية «المنطقة التي لا يدخلها غير سعد الحريري». تبع ذلك تلاسن وتدافع مع عناصر الجيش اللبناني. كان عبد على علم بكل ذلك، و»انزعجتُ من تضييع البوصلة، فأنا أرحب بأي أحد يعرض المساعدة، سواء ريفي أو غيره»إلى ريفي، تدخل النائب نبيل بدر في القضية. حضر إلى المصرف ثم رافقه إلى المخفر في ثكنة الحلو للإدلاء بإفادته واعداً بأن لا يجري توقيفه أبداً. لكنه لم يستطع الإيفاء بوعده، إذ تم توقيفه خمسة أيام، من الجمعة حتى مساء الأربعاء.
خلال فترة توقيفه، مكث عبد مع بقية المودعين الذين اقتحموا المصارف في اليوم نفسه، ومعهم عبد الرحمن زكريا ومحمد رستم اللذان كانا قد آزرا المودعة سالي حافظ في اقتحام أحد فروع مصرف لبنان والمهجر قبله بيومين. تعارفوا، وأضربوا عن الطعام ليومين للضغط في سبيل إطلاق سراحهم.عن تجربته في التوقيف لخمسة أيام، يقول عبد إنه عومل بشكل جيّد «وزارنا النواب وضاح الصادق وإبراهيم منيمنة، وسينتيا زرازير». قضى عبد أيام التوقيف في قراءة القرآن والتسبيح، ولم يفهم سبب توقيفه. هل يستدعي حيازة سلاح غير مرخص كل ذلك؟ يرى أن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات «سيّس الملف وماطل فيه ليحاكم كلّ المودعين بالطريقة ذاتها». خرج عبد مقابل كفالة 15 مليون ليرة، ومنع سفر لمدة 6 أشهر ما يضرّ بعمله الذي يتطلّب السفر.