خاص الهديل:
يملك لبنان مع عدوه الاسرائيلي اكثر من صيغة لتنظيم اشتباكه معه . هناك ” اتفاق وقف الأعمال العدائية” وهو مصطلح يعني عدم وقف الحرب وعدم الإستمرار بها ؛ وموجبات هذا الاتفاق تنطلق من أنها لبت مفهوم ارساء هدنة تراعي الواقع الاقليمي والدولي والاسرائيلي الذي كان سائدا خلال حرب العام ٢٠٠٦ !! .
.. وقبل اتفاق “وقف الاعمال العدائية “، يوجد خط الهدنة الذي تم إنتاجه ليجيب على النتائج السياسية والاجتماعية ( اللجوء الفلسطيني) والامنية والجيوسياسية التي خلفتها حرب ال ٤٨ التي أدت إلى كارثة ضياع فلسطين .
وبمقابل خط الهدنة ١٩٤٨ ، هناك الخط الأزرق والخط التقني ٢٠٠٦، وما يتضمنه الأخيرين من نقاط خلافية.
.. والفكرة الاساس التي نتجت عن كل هذه الخطوط، تتمثل بأنه كان يتم رسمها ليس من أجل لبنان بل من أجل الاستجابة لموجبات في المنطقة وفي العالم تنتج عن ظروف الصراع العربي الاسرائيلي والصراع الفلسطيني الاسرائيلي.. وعليه فإنه لا خط الهدنة ٤٨ كان قابلا للتطبيق، حيث اخترقته الدبابات الإسرائيلية التي غزت غير مرة لبنان، بمقابل أن الفصائل الفلسطينية نفذت عبره عمليات فدائية ضد الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين .. ولا الخط الأزرق ايضا كان قابلا لأن يكون خطا حدوديا فعليا نظرا لوجود النقاط الخلافية فيه، وايضا نظرا لكونه ” خط لوقف الاعمال العدائية في المنطقة ، وليس لوقف الصراع ، ولكونه خط يتكأ على الخط التقني الذي هو خط اختبار يومي لتوازن الرعب”، ولذلك فإن الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل لن ينطلق من حيث انتهى خط الهدنة، ولا من حيث وصل الخط الازرق، بل من حيث ولد اتفاق هوكشتاين الذي يجيب كالعادة على موجبات اقلبمية ودولية على صلة بحرب الغاز الأميركية الغربية – الروسية ، وليست على صلة بالموجبات اللبنانية واحوالها ، ولا بموقع لبنان داخل معادلة السلم والحرب الكبرى في المنطفة .
ويفاد مما تقدم ، و كالعادة، أن الترسيم البحري سيكون له معنى غير مفهوم سياسيا، كما الحال مع اتفاق وقف الأعمال العدائية، ومع اتفاقات الخط التقني الملحق بالخط الأزرق. والواقع ان ما بجري الان، وما جرى بالامس على هذا الصعيد، كان بمثابة نصف هدنة هشة ، ولكنه بالمفهوم الامني والعسكري اكثر من مجرد تفاهم على قواعد اشتباك في البر و البحر.
سيضاف في المقبل من الايام على دفتر الهدن اللبنانية الإسرائيلية الهشة، مصطلح اتفاق هوكشتاين البحري ، وهو اتفاق كالعادة ملتبس في مفهومه ، حيث انه في الوقت الذي يخلق فيه ” إطار لاعتراف لبنان بمصالح اسرائيل بالطاقة، والعكس صحبح”، فإنه بنفس الوقت ” يخلق إطارا قانونيا وليس سياسيا وواقعيا يدعي فصل اعتراف الطرفين بمصالحهما في الطاقة”!!. ومرة اخرى يشبه هذا الالتباس السوريالي حول فصل مصطلحي مصالح الطاقة، الادعاء بوجود فصل واقعي وليس سياسي مزعوم بين الخط الأزرق والخط التقني!!.
يتم حاليا تقصد ان لا يكون لعملية تخطيط الحدود في البحر معنى سياسيا ،وذلك عبر ابقاء حدود البر من دون تخطيط، وعبر عدم تسجيل اتفاق هوكشتاين في الأمم المتحدة حسب المعلومات . وعليه فإن سيكون هذا الاتفاق سيكون من ورقتين، على كل واحدة منهما توقيع احد جهتي الاتفاق مع واشنطن، وليس مع بعضهما البعض ، اي انه لن يكون هناك توقيع لبناني اسرائيلي على ورقة رسمية واحدة.. ولكن بالمقابل ليس هناك شك بأن هذا الاتفاق الذي يتم تقصد ان لا يكون هناك معنى سياسي، سيكون له – باعتراف كل اللبنانيين وحتى حزب الله – نتائج وحودية اقتصادية وسياسية على لبنان، بدليل ان امين عام حزب الله السيد نصر الله قال أن الانقاذ الوحيد للبنان هو بحصوله على غازه من خلال ترسيم الحدود البحرية مع الطرف الاسرائيلي عبر الوسيط الاميركي ..
وكل ما تقدم يقول شيئا اساسيا وهو أن الصراع بين لبنان وإسرائيل كان ولا زال هو جولات من صفحة الحرب الإقليمية، بأكثر مما هو جزء من جوهر الحرب المقدسة من أجل فلسطين، ولذلك نجد أن هذا الصراع هو عبارة عن مشاهد تنتهي بتسويات عسكرية لوقف الحرب أو لانقاذ مصالح تارة اقتصادية وتارة جيوسياسية إستراتيجية، وذلك بواسطة تعزيز استمرار الهدنة الهشة ..
خلال العقد الاخير تحدث الجنرالات الاسرائيليون عن نظرية لوصف الوضع بعد حرب تموز ٢٠٠٦، وتقول هذه النظرية عن خوض ” حرب بين حربين ضد لبنان” ، ولكن يمكن اليوم تصحيح هذا المفهوم باتجاه الحديث عن “حرب بين تسويتين” : تسوية الخط الأزرق البري عام ٢٠٠٦ وتسوية خط هوكشتاين البحري عام ٢٠٢٢” .
. ولا يمكن وصف هذا الواقع السوريالي الا من خلال استعادة قول مأثور عن ” ان البنادق تحفر احيانا تسويات لداعميها، بدل ان تحفر خنادق لمقاتليها” !! .