الهديل

حمد بن عبد العزيز الكواري: مونديال قطر سيظهر مكانة العرب وقدراتهم

يقلل وزير الدولة رئيس مكتبة قطر الوطنية، د. حمد بن عبد العزيز الكواري، من المخاطر التي يروج لها البعض باعتبارها تأثيرات سلبية لاستضافة مونديال كرة القدم على الواقع الاجتماعي والثقافي، ويرى في هذا الحوار مع “العربي الجديد”، أن قطر نجحت في تهيئة كلّ الظروف لنجاح الحدث العالمي.

ويقول د. الكواري إن المجتمع القطري قادر على حماية نفسه، والحفاظ على مكتسباته الثقافيّة والتراثية من أيّ تأثير سلبي ممكن، إذ لا خوف على ثقافةٍ تؤمن بمكتسباتها، وتعامل الآخر بندية، مشدداً على أن تنظيم قطر لكأس العالم ليس نهاية الأحلام الكبرى، بل هو محطّة على درب التقدّم، وسيكون رصيدا مهمّا لمواجهة أهداف أخرى، بعضها تنموي، وبعضها ثقافي، فضلاً عن الأهداف المجتمعية.

* ما المتوقع أن تستفيده قطر والمنطقة من استضافة كأس العالم 2022 ثقافياً ومعرفياً باعتباره حدثا تشهده المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط لأول مرة؟

استضافة قطر لكأس العالم 2022، كان تحدياً كبيراً على مستويات مختلفة، والشّعب القطري عرف على مدار تاريخه تحديات كثيرة، وهو معتاد على المواجهة، والاستجابة للرهانات، وقد نجحت قطر في أن تهيّئ كلّ الظروف لتحويل هذا التحدي إلى فرصة لتقديم بطولة استثنائيّة، فعلى امتداد أكثر من عشر سنوات، عمل القطريّون على أن تكون الاستدامة هدفاً من أهداف الحدث، سواء عبر طريقة تصميم الملاعب، أو تطوير البنية التحتية، فصمّمت الملاعب لتعكس الهويّة الوطنيّة من دون تجاهل أحدث التقنيات المتاحة عالمياً، فمثلاً استاد الثمامة على شكل القحفيّة القطريّة، واستاد البيت مستوحى من بيت الشَعر “الخيمة”، والملاعب لها دلالات ثقافيّة محلية وعربيّة أيضاً، ما يمنح عشّاق كرة القدم في سائر أنحاء العالم معلومات عن بعض معالم الثقافة القطريّة والعربيّة، لأنّ كأس العالم يمنح الفرصة لاكتشاف الصّورة الحقيقيّة للإنسان العربي بعيدًا عن الأفكار المُسبقة، والمعلومات المغلوطة المبنية على الشائعات وليس الحقائق. ستتحوّل قطر إلى قلب الأحداث خلال كأس العالم، ليبصر العالم مدى التقدّم الذي يُمكن أن تُحصّله دولة عربيّة مسلمة آمنت بأنّ عروبتها ودينها من مقوّمات التقدّم، ولذلك فالرّصيد الثقافي والمعرفي الذي سنجنيه من هذا الحدث كبير جداً، ويُعدُّ كنزاً يُضافُ إلى ثرواتنا التي نباهي بها الأمم.

* كيف ترد على الأصوات التي تحذر من التأثيرات السلبية على الواقع الاجتماعي في قطر؟

من حقّ البعض أن يبدي تخوّفات تُجاه أيّ شيء جديد، فتلك سنّة الحياة، والشّعوب عامّة تحذر من أيّ ظواهر ثقافيّة جديدة أو وافدة، لكنّها سريعاً ما تُدرك كيفيّة التعامل معها، وفي تجارب كأس العالم السابقة، عاشت الشّعوب التي استقبلت الحدث أنواعا من التخوفات والمحاذير التي تنطلق من رغبة الشّعب في حماية ثقافته، وعدم التفريط في خصوصيّته، وأعتقد أنّ المجتمع القطري قادر على حماية نفسه ومكتسباته من أيّ تأثير سلبي ممكن، ومن أيّ مظاهر قد تُخلّ بمدوّنة القيم المشتركة التي تعرفها البشريّة، لأنّ تلك المظاهر قد تصدر بشكل أحادي عن أفرادٍ، والمجتمع القطري متماسك، وكيانه الاجتماعي متين أخلاقياً وثقافياً، لذا فلا داعي للمبالغة في الحديث عن تأثيرات سلبيّة. الثقافة القطريّة صمدت على مرّ العقود أمام آثار العولمة، ومحاولات التنميط الثقافية، واستطاعت أن تبني لنفسها مناعة كافية بفضل تشبّثها بتقاليدها وعاداتها وتراثها الفكري الذي تشترك فيه مع الثقافة العربيّة، كما عرفت كيف تتعامل مع الثقافات الأخرى عبر بناء الجسور والتّسامح، وهذه السمات بمثابة قيم ثقافيّة يعتزّ بها كل قطري، ولا أرى لهذه التحذيرات من موجب، فلا خوف على ثقافةٍ تؤمن بمكتسباتها، وتعامل الآخر بندية، إنّما الخوف إذا كانت الثقافة تابعة، فيكون ذلك من عوامل تخلخل البنية الثقافية للمجتمع، ولكنّنا نحمد اللّه أنّ المجتمع القطري لديه حصانته المعرفيّة وأمنه الثقافي.

 

* سيضع المونديال قطر في بؤرة الضوء عالمياً. كيف يمكن التعامل معه، ومع ما يليه بطريقة لا تخالف الموروث الثقافي، أو تؤدي إلى ظهور وضع جديد يتعارض مع التقاليد والعادات القائمة في منطقة الخليج؟ 

لا شكّ أنّ قطر ستستفيد، بل إنّ العرب والمسلمين سيستفيدون، ويمكنني القول إنّ الحضارة العربية الإسلامية ستكسب الكثير، لأنّه لا يجب أن ننظر إلى كأس العالم من زاوية ضيقة باعتباره مباريات رياضيّة، إذ سيساهم هذا الحدث في تعريف الجماهير الوافدة على معالم الثقافة القطريّة، وسيفتح آفاقاً سياحيّة كبرى. كما أنّ قطر ستؤكّد على احتفاظها بهذا الرصيد الثقافي لتكون حقاً عاصمة للثقافة العالميّة في فترة المونديال، والاستعداد شمل توفير الظروف فائقة الجودة لاحتضان المباريات، والجماهير، والنقل الإعلامي الراقي للحدث.

وقد تجنّدت المؤسسات الثقافيّة الوطنية لاحتضان الفعالية العالميّة، باعتبار أنّ الرياضة تضم رسائل ثقافيّة وأخلاقيّة قبل كلّ شيء. والثقافة معنيّة بذلك بشكل أساسي، وفي مكتبة قطر الوطنيّة مثلاً، تهيأنا لتنظيم فعاليات ثقافيّة بالتوازي مع الحدث الرياضي، منها معرض “تاريخ كرة القدم في قطر”، ومعرض “ريشة” لرسوم الأطفال لملاعب كأس العالم، ومعرض يوثق لاستضافة قطر لكأس العالم من تقديم ملف الاستضافة حتى صافرة البداية، والعديد من الأنشطة والفعاليات ضمن العام الثقافي ”قطر- الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا”.

سيتعرف العالم على الموروث القطري والعربي والإسلامي ستكون الثقافة في قلب الأضواء وليس خارجها، والأمر نفسه يحدث في مختلف المؤسسات الثقافيّة الأخرى، كهيئة متاحف قطر، والحي الثقافي كتارا، ووزارة الثقافة بالطبع، ومن دون أن نغفل ما أعدته الجمعيات الثقافية والمدنيّة. وأعتقد أنّ كأس العالم هو مناسبة للتعريف بالهويّة الوطنيّة القطريّة، ومن ضمنها موروثنا الثقافي، فليست هذه هي المرّة الأولى التي تستضيف فيها الثقافة القطريّة ثقافات من شتّى أصقاع العالم، ويكفي أن تنظر إلى البحر الذي يحيط بقطر حتّى تُدرك التاريخ الذي سطّره القطريّون في تواصلهم مع ثقافات مختلفة، وموانئ قطر تشهد على التبادل التجاري والثقافي في آن واحد. لسنا بقعة ضوء بعيدة على الأرض، بل نحن بقعة ضوء تشعّ على من حولها منذ قرون، فتؤثّر وتتأثّر، وهذا هو مبدأ التفاعل الثقافي بين الحضارات، وأقول دائماً إننا أمام طوفان من الأفكار والتصوّرات والثقافات التي تحمل مزيجاً من المصالح ونزعات الهيمنة، ولكنّنا نمتطي في مواجهته سفينة تمثّل تعدّد الثقافات، والموروث الثقافي القطري استفاد من تجارب الأمم وثقافاتها مثلما لم يبخل عليها بما يحتويه من قدرات وثراء. ليس هناك ما يُسمّى بحلول وضع جديد في المنطقة، بل هناك حركة تفاعل دائمة، قديمة ومتجدّدة.  

* هل تتفق معي أنه للمرة الأولى ستكون أخبار المنطقة العربية تحمل الفرح والإثارة والشغف، ولن تكون متعلقة بالحروب والصراعات والأزمات؟ 

حقًا، سيكون في صدارة الأخبار العالميّة مشهد آخر للمنطقة العربيّة، وربّما سيكتشف سكّان العالم ما لا يعرفونه عن العرب، ابتداءً من قيم الضّيافة، وصولاً إلى الإقرار بكفاءتهم على أن يضيفوا للحضارة الإنسانيّة، ومزيّة تنظيم قطر لكأس العالم أنّها ستبدّدُ ملامح الصّورة المشوّهة عن الإنسان العربي، فقد حان الوقت لأن يكون للعربي دوره في كلّ شيء، وخاصّة في المشاركة في صناعة القرار الثقافي العالمي، فلا يُعقل أن يبقى العرب خارج مواقع القرار، فتهمّش كفاءتهم أو يُنظر إليها بشكل دونيّ. سيثبت كأس العالم، كما أثبتت مناسبات ثقافيّة دوليّة بارزة، أنّه يحقُّ للإنسان العربي أن يفتخر بحضارته بين سائر الأمم، وأنّه قادر كغيره من أفراد هذا العالم على لعب أدوارٍ مميّزة وذات تأثير.

* انتهت قطر من تجهيز بنية تحتية ضخمة وجميلة، وأيضاً سلسلة من التغيرات في الواقع القانوني والتشريعي… كيف ترون قطر ونحن على بعد أسابيع من صافرة البداية؟

أرى قطر مستعدة، فكلّ شروط النّجاح متوفّرة، وأنا على ثقة بأنّ العالم سيتفاجأ ممّا سيراه من تقدّم على مستويات مختلفة، فالاستعدادات لم تشمل فقط البنية التحتيّة، وإنّما هناك استعداد مجتمعي للحدث. نحن في قطر لا نفكّر في ما هو تقني فقط، بل نفكّر في الإنسان أولاً، لذلك فإنّ المجتمع على استعداد لاستضافة ثقافات الشّعوب، وقبولها في كنف الاحترام المتبادل للقيم. وفي مثل هذه المناسبات يكون الطابع الاحتفالي حاضراً، وهذا مهم للإنسانيّة القلقة في هذه المرحلة الحضاريّة، وفكُرة هذا الحدث تعطي أملاً للجميع بأنّ العيش المشترك ممكن، بل مطلوب، وقبول الاختلافات من نعم اللّه قبل كلّ شيء، والتنوّع يجمعنا ولا يفرّقنا، فهذا الموعد العالمي يبثّ التفاؤل في الجميع، وما أحوجنا إلى هذه الدافعيّة لتمتين جسور تواصلنا، وتبادل الثقة بيننا.

* منذ فوز قطر بشرف استضافة البطولة قبل 12 عاما. كان ثمة إجماع مجتمعي على النجاح رغم الأزمات التي مرت على المنطقة، والصعوبات التي واجهتها قطر. كيف يمكن الحفاظ على هذا الزخم؟

بيّن المجتمع القطري في أكثر من مناسبة أنّه متكاتف، فالوحدة الوطنيّة أرضيّة مشتركة، وكانت تنمو مشاعر الاعتزاز بالوطن في كلّ تحدٍّ، ويزداد الولاء، وهذه العناصر من شروط تماسك المجتمع، وقدرته على بناء أيّ حلم مشترك، وأعتقد أنّ حكمة المجتمع القطري التي عبّرت عنها القيادة في الفترات الصّعبة هي بوصلة دائمة للسفينة، ولا شكّ أنّ لكلّ مرحلة أهدافها، وتنظيم كأس العالم ليس نهاية الأحلام الكبرى، ومن المؤكّد أنّ التجربة، مثل تجارب أخرى خاضها الشعب القطري، ستكون رصيداً مهماً لتحقيق أهداف أخرى، بعضها تنموي، وبعضها ثقافي، أو اجتماعي، وبقدر ما يولي المجتمع القطري أهمية لأهدافه المحلية، فإنّه معنيّ بكل ما هو إنساني، ولقطر تأثير كبير في الساحة العالميّة حالياً، فهي محطّة حوار، وسيتضاعف تأثيرها الثقافي في العلاقات الدوليّة لأنّها تؤمن بأنّ الثقافة جزء أساسي للتنمية المستدامة، ولتغيير العلاقات الدوليّة، والعمل على مزيد من التقارب بين الشّعوب.

* حرصت قطر خلال السنوات الأخيرة على إنهاء الخلافات مع دول الجوار، وحالياً العلاقات جيدة مع الجميع، والسعودية والإمارات تدعمان كأس العالم بأشكال عدة، فهل انتهت الأزمة؟ وهل سيزيد التعاون بعد ذلك؟ 

نادت قطر دائماً بالحوار مع دول الجوار، وغلّبت الحكمة، وأعتقد أنّ العلاقات اليوم تؤكّد الرؤية الإيجابية للقيادة القطريّة في المنطقة، ولا شكّ أنّ لهذه العلاقات تأثيرا على شعوب المنطقة التي تجمعها وشائج الأخوة والدم، والروابط الثقافيّة، وسيكون كأس العالم فرصة أخرى للتقارب، وتأكيد الثقة المتبادلة، ومن المؤكّد أنّ العلاقات ستتعزّز في قادم الأيّام لما فيه خير الشعوب.

* ما موقفك من الرأي القائل بضرورة أن تتجه الدولة بعد النجاح في هذه البطولة العالمية إلى الداخل، وتبدأ تحديث القوانين والأنظمة والتشريعات، وتسعى نحو بناء مزيد من المؤسسات، وزيادة المشاركة الشعبية، ومنح المزيد من الحريات والحقوق للمواطنين؟

يكفل الدستور القطري حقوق القطريين ويحدّد واجباتهم، لذا فإنّ الشعب يتمتّع بمكاسب كثيرة، وهي تتزايد بفعل تطوير القوانين والتشريعات في المجالات المختلفة كلّما دعت الحاجة إلى ذلك، ويبقى الأساس هو الدستور باعتباره المرجع الجامع والموجّه لذلك التّطوير، ومعالم التّحديث ظاهرة في عدد كبير من المؤسسات، ولعلّ اتّساع استخدام الرقمنة في الخدمات التي تقدّمها المؤسسات، والتحوّل نحو الحكومة الذّكيّة خير دليل على أنّ المجتمع يتّجه بثبات لتحقيق “رؤية قطر 2030

كما أنّ المراهنة على تمكين الشباب توسّع دائرة المشاركة الشّعبيّة، فالتّمكين يسمح لهم بدور فاعل في نهضة الدولة من خلال تعزيز مفاهيم المواطنة وقيم الهوية، بالإضافة إلى رفع مهاراتهم الحياتية، وقدراتهم القيادية، وتشجيعهم على الإبداع والابتكار والريادة، ومشاركة الجيل الجديد في صناعة مستقبل المجتمع هو شرط للتقدم، وسيحمل هذا الجيل تطلعات جديدة تنتج بدورها تطويراً للقوانين والتشريعات بما يتناسب مع المصلحة الوطنيّة.

* لا يخفى عليك الواقع الذي تعيشه الشعوب العربية، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، فالثورات لم تكتمل، أو جرى الانقلاب عليها، وهناك حروب وصراعات وانقسامات، وتتسع مظاهر الفقر والبطالة، فإذا كنا نبحث عن مخرج. ما هي نقطة البداية؟

يؤلمني ما يحدث في المنطقة العربيّة، فبدل أن يتقدّم العرب، نجدهم يتقهقرون بسبب استفحال الأزمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وهذا نتاج طبيعي لتدهور الأوضاع السياسيّة. أعتقد أنّ النخب العربيّة مطالبة بأن تلعب دورها في هذه المرحلة للخروج من المآزق الكثيرة. شخصياً، ما زلت مؤمناً بالدور الوظيفي للمثقّف العربي. لا أنكر أن هناك انهيارا لمؤشّرات التنمية الثقافيّة في كثير من الأقطار العربيّة، وتراجعا للمنظومة التعليميّة، وضحالة في الإنفاق على البحث العلمي، وإقصاء النخبة الأكاديميّة والفكريّة عن صياغة الاستراتيجيات الكبرى داخل المؤسسات، وكلّها عوامل تُضعف المجتمعات، وتزيد تأزّم المشاكل، وقد كشفت “الثّورات العربيّة” أنّ المشروع الثقافي العربي يُمكن أن يكون سنداً لأيّ تحوّل، وكثيرٌ من التجارب العربيّة بيّنت في السّنوات الأخيرة مدى الترابط بين السياسي والثقافي، لأنّ أيّ مشروع سياسي يستبطن لا محالة خطابات ثقافيّة سابقة تبنّى بعضها المثقّفون العرب خلال العقود الماضية.

سيظلّ سؤال “من أين نبدأ” مهماً في كلّ مرحلة، وخاصّة في سياق الراهن العربي، وحتماً لا يُمكن افتراض بداية من دون المشروع الثقافي العربي، خاصّة بعد أن سقط النظام الثقافي العربي في اختبارات كثيرة، ولكني أعتقد أنّ لكلّ مرحلة نظامها الثقافي، وعلينا التفكير جدّياً في إبداع هذا النّظام بشروط جديدة أكثر واقعيّة وفاعليّة ممّا كانت عليه في السّابق، فالتحولات التي تعيشها المنطقة العربيّة عبارة عن مخاض عسير لولادة مرحلة جديدة.

* ماذا عن الدور الذي يمكن أن تلعبه دول الخليج العربي، وخصوصاً قطر، في ظل هذه الأوضاع؟ وكيف ترى المقاربة الخليجية لتطورات الواقع العربي؟ هل ينبغي أن تنأى بنفسها عما يجري، أم أن عليها التدخل لوقف هذا التدهور؟ 

دول الخليج جزء من الوطن العربي، وهي معنيّة بما تعيشه الشّعوب العربيّة، لذلك فهي لم تدّخر جهداً عبر تقديم المساعدة والدعم، كما أنّ حجم الاستثمارات الخليجيّة في الدول العربيّة كبير جداً، وأعتقد أنّ الدور الاقتصادي مهمّ في هذه المرحلة الحرجة، فالتعاون مطلوب في حدود الاتفاقيّات العربيّة، وقد عملت دولة قطر على تنويع استثماراتها في بعض الدّول العربيّة، ممّا أتاح فرصاً لتشغيل الأيدي العاملة، خاصّة في قطاع البنوك، والقطاع الصّحي، والقطاعات السياحيّة، كما يساهم المستثمرون القطريّون في عدد كبير من المشاريع التنمويّة في الدّول العربيّة، وأرى أنّ هذا الدّور الاقتصادي يُساعد اقتصادات بعض البلدان على مواجهة أزماتها.

* يؤكد كثيرون على التراجع الثقافي والمعرفي للأجيال العربية الجديدة رغم التطور الهائل في أدوات التعليم وتقنياته، واهتمام الدول بإنشاء صروح معرفية، من بينها مكتبة قطر الوطنية، فما الذي نحتاجه لإحداث طفرة ثقافية ومعرفية عربية؟ 

هناك حقّاً تراجع ثقافي كبير، وتتعدّد أسبابه، وهو يتفاوت من بلد إلى آخر، وأرى أنّ الصّروح المعرفيّة مهمّة لإسناد أيّ حركة ثقافيّة مستقبليّة، فما تقدّمه، ومنها مكتبة قطر الوطنيّة، لا يتعلّق فقط بإمداد القرّاء بمصادر معرفيّة، بل هي تعمل على أهداف أبعد، ومنها تعزيز قيم المواطنة، ونشر القيم الثقافيّة، وبناء قاعدة واسعة من القرّاء في مرحلة تشهد فيها نسب القراءة عربياً تدنياً كبيراً، ما يتسبب في التراجع الفكري والثقافي عموماً، وكلّما تراجعت الثقافة يتأخّر الوطن العربي في تحقيق التغيير المطلوب في الذّهنيّات، وفي أنماط الوعي. لذلك فإنّ للمثقفين دورا مهما في تأسيس المنظومة المعرفيّة حتّى لا يبقى السياسي متحكّما في المشاريع الاستراتيجيّة للإصلاح والتغيير، كما ينبغي على المثقّف أن يستفيد من المؤسسات الثقافيّة التي تحمل مشاريع حقيقيّة للتنمية، وكلّما استعاد المثقّف دوره، كلما كنا إزاء بقعة ضوء جديدة في هذا النفق المظلم الذي تعيشه بعض الأقطار العربيّة، ومن الضّروري أن يُعيد المثقف بناء علاقاته مع محيطه لأنّ هناك هوّة قائمة بين المثقفين كمنتجين للثقافة، وبين مستهلكيها، وهذا يُحمّل المثقّف مسؤوليّة أساسيّة في التغيير، وهذه المسؤوليّة مقترنة بدوره النقدي أيضاً.

المصدر: العربي الجديد- أنور الخطيب

Exit mobile version