خاص الهديل:
يتركز الخطر الاستراتيجي على اسرائيل، من منظار المستوى العميق في القرار الاسرائيلي، في الضفة الغربية، وفي منطقة لها شكل المثلث، وتعتبر جنين مع مخيمها، نقطة المركز فيها ..
يكتشف الاسرائليون اليوم ان قواعد الاشتباك في الضفة الغربية تغيرت ، وأن مجمل اللعبة في الضفة الغربية التي نام على وسادتها جنرالات الحرب الاسرائيليين لسنوات طويلة ، تبدلت الآن؛ فحتى الأمس القريب. كانت إسرائيل تسيطر على الضفة الغربية من خلال ثلاث وسائل :
الوسيلة الاولى هي التنسيق الأمني بين الاجهزة الامنية الإسرائيلية، مع السلطة الفلسطينية..
الوسيلة الثانية تتمثل بسيطرة إسرائيل على ” عقد الطرق”، واحاطة مفاصل الضفة الجغرافية والديموغرافية بانشطه من المستوطنات..
اما الوسيلة الثالثة فهي مداومة إسرائيل على القيام بتنفيذ عمليات اعتقال ومهمات امنية ارهابية في بلدات ومدن ودساكر الضفة.
و يكتشف الاسرائيليون اليوم أن الضفة الغربية باتت خارج قدرة هذه الوسائل الثلاث على ضبط أمن إسرائيل فيها ، وأن الضفة ، عمليا ، خرجت من قبضة سطوة المستوطنات عليها، وتحررت من فعاليات ضغوط التنسيق الأمني الإسرائيلي مع السلطة الفلسطينية.. والأهم من ذلك اكتشف، الآن، خبراء الأمن الاستراتيجي في إسرائيل، أن مهمة ضبط أمن الضفة الغربية لم يعد يتحقق من خلال تنفيذ عمليات أمنية تكتية متواصلة؛ بل بات يحتاج إلى شن حرب فعلية ، تشارك فيها المروحيات والطائرات والدبابات وإعداد كبيرة من جنود النخبة .
وامس شنت إسرائيل عملية امنية في الضفة، حشدت لها قوة استثنائية محمية بالمروجيات والمسيرات ، ودخلت بلدة جنين، وذلك بهدف اعتقال احد نشطاء حركة الجهاد الإسلامي.
ووصفت إسرائيل هذه العملية بانها الأكبر في الضفة الغربية منذ احتلالها عام ١٩٦٧.
ولكن المهم هو ان النتائج المستخلصة من هذه العملية، بينت امرين اثنين مهمين : الأول يفيد بأن ذهاب اسرائيل لاعتقال ناشط واحد في المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية لم يعد نزهة ، بل هو إجراء عسكري يحتاج للتخطيط له وتوفير العديد والعتاد ، وكأنه هجوم كبير وحرب صغيرة .
الأمر الثاني يتمثل بأن إسرائيل باتت على قناعة استخباراتية وتحليلية وعسكرية قوامها أن الضفة الغربية تقترب من أن تسودها انتفاضة مسلحة شاملة، لن يكون الجيش الاسرائيلي مستعدا لمواجهتها، وليس لديه لا الأهلية العسكرية، ولا النفسية والمعنوية لمقاربتها .
أن مؤشر خروج الضفة من كونها حديقة خلفية للاحتلال الاسرائيلي إلى كونها شوكة في خاصرة احتلال العام ٤٨ ، له دلالات كبيرة وعديدة، ولعل أبرزها انه فيما تقرع إسرائيل طبول الحرب الفارغة ضد لبنان فإنها عمليا تستعد فعليا لشن حرب شاملة ضد الضفة الغربية؛ وفيما غانتس يهدد لبنان بحرب استباقية ، فإنه عمليا ارسل جيشه اول من امس ليش أكبر حرب فعلية على الضفة ( جنين ) منذ العام ١٩٦٧.
وهذه الوقائع تقول ان على أجندة الحرب الاسرائيلية يوجد خاليا هدف جدي واحد وهو الضفة الغربية؛ أما لبنان وسورية وحتى ايران، فهم أهداف فيما لو كانو موجودة فإن من سيتكفل بها هم الاميركيون وليس الاسرائيليون.. لقد انتهت حروب إسرائيل خارج فلسطين التاريخية، وواشنطن هي من تدافع عن مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة الإقليمية الإسرائيلية..