خاص الهديل:
أمس عين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قائدا جديدا للجيش الروسي ، واختاره بوتين ان يكون من صف الضباط الروس الذين لديهم اوسمة حرب، تقديرا لنجاحهم في حروب سابقة كحرب الشيشان، أو حروب قائمة كالحرب في سورية (!!) .
وهذه الخطوة بالشكل وحتى بالمضمون، تعكس حاجة الرئيس بوتين في هذه اللحظة لأن يعلق على صدره العاري حاليا ، اوسمة الجنرالات الروس الذين خاضوا حروبا ناجحة، وذلك حتى يجعل الشعب الروسي والعالم يشيح بوجهه، ولو جزئيا، عن انتكاسة الجنرالات الروس الصادمة في الحرب الراهنة في أوكرانيا.
ان بوتين لا يستطيع أن يكون رئيسا من دون ان يحيط به جنرالات لديهم اوسمة حرب كثيرة. وهذا تقليد موروث عن ايام الاتحاد السوفياتي الذين كان زعماؤه يعلقون على صدروهم نياشين حزبية شيوعية ونياشين جرحى الحرب العالمية الثانية، ونياشين صمود روسيا الاسطوري في ستالينغراد، الخ…
و ما لا يستطيع بوتين التعمية عليه حاليا، هو ان حرب أوكرانيا تحولت إلى نموذج جديد عن الصراعات العسكرية في العالم الجديد، تماما كما أن فيتنام تحولت في النصف الثاني من القرن الماضي، إلى نموذج عن القوة المحدودة، مهما كانت هذه القوة متفوقة عسكريا، ومثلما أن أفغانستان تحولت إلى نموذج عن القوة العسكرية الكبيرة القابلة للاستنزاف.
ان اخطر ما يواجهه بوتين اليوم بعد اقراره بتهالك الجيش الروسي الذي كان عظيما في مخيلته عندما اخذ قرار غزو اوكرانيا، هو انه وجد نفسه بوضع غير مسبوق تاريخيا ؛ ومفاده انه لا بد من إعادة بناء الجيش الروسي، وذلك في نفس الوقت المطلوب فبه من هذا الجيش ان يشن حربا خارج اراضيه في أوكرانيا.
لم يحدث تاريخيا ، ان طلبت قيادة سياسية من جيش بلدها ان يقوم بمهمة إعادة بناء نفسه، وأن يقوم بنفس الوقت، بشن حرب خارج اراضيه . وعليه ، يحق للروس ان يقلقوا من إمكانية نجاحهم في مهمة ابناء القوة في وقت الحرب.. وان يقلقوا من جموح بوتين الذي،لم يعد قاادرا على الرحوع ولو سنتم واحد إلى الوراء، كي يعيد الأولويات في غرفة لا تشتعل فيها النيران.
ومن جهة آخرى، فإن مأساة بوتين لا تكمن فقط في صدمته بأداء الجيش الروسي، بل بواقع هزالة قوة روسيا في فضائها الاوراسي، وداخل حديقتها الخلفية اللاصيقة بها. وعليه تجد روسيا نفسها ، بعد تطورات اوكرانيا، أشبه بكوكب من دون جاذبية تشده إلى مدار مستقل وقائم بذاته.
.. ولذلك ، فان السؤال الكبير حاليا ، و الذي يواجه بوتين هو كيف تعود روسيا دولة لها عمق استراتيجي في منطقتها الاوراسية، وابعد من ذلك ، لديها عمق استراتيجي في “منطقتها القيصرية” التي تشتمل على المياه الدافئة ووجودها في سورية ؟؟؟..
لاشك انه يحق لبوتين اليوم ان يقلق اكثر من تركيا القوقازية، وأن يقلق اكثر على إمكانية أن تستطيع القدرة الروسية حماية وجوده في “حميميم”، هذا الوحود في شرق البحر المتوسط الذي أوحى لبوتين انه يستطيع إعادة إنتاج حلم القيصر ..
.. وأيضا ، بات بحق لبوتين أن يقلق اكثر من فعالية عودة العدو البريطاني ليطارده في اوروبا، ومن فقدان حصانة أوروبا الشرقية بوجه الناتو ‘!.
والواقع ان حرب أوكرانيا تركت أسئلة لبوتين عن مستقبل روسيا كحجم دولي وكمشروع قطبي في العالم ، هي بلا شك اخطر من الاجوبة المباشرة التي صدم بها بوتين نتيجة ما يحدث في الميدان الاوكراني.
ويجب ان يكون واضحا ان روسيا لا تستطيع ان تكون دولة طبيعية في حال لم يكن لديها اجوبة واضحة عن الأسئلة الخاصة بها حول وجودها داخل مفهوم “روسيا الأوروبية”؛ وداخل مفهوم ” روسيا القيصرية”؛ وحتى داخل مفهوم “روسيا البوتينية” ( نسبة لبوتين) التي كانت تسعى لان تكون اتحاد سوفياتي صغير ؛ وداخل مفهوم “روسيا الاوراسية” المحصنة ضد دخول الناتو إليها، والتي تنشد بقالها داخل المحور الروسي.
ان عدم وضوح الاجوبة عن هذه الأسئلة سيجعل كل الروس، وليس بوتين فقط، يشعرون بالخطر داخل فضائهم الاوراسي والاوروبي ، وسيجعل أوروبا تشعر بالخطر من روسيا ..وهذا المشهد فيما لو لم يتم تداركه، سيكرر مأساة ألمانيا في اوروبا خلال الحربين العالمتين، ومأساة اوروبا مع ألمانيا خلال تلك الفترة..