لا تتوقف النتائج الإيجابية المرتقبة لزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات لروسيا الثلاثاء، على الأرض، بل تمتد للفضاء.
ويتوقع أن تسهم الزيارة في تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الفضاء، بعد أن شهد تطورا لافتا خلال الفترة الماضية، كان أبرز ثماره نجاح أول مهمة إماراتية لمحاكاة الفضاء قبل 3 أشهر، ونجاح رحلة أول رائد فضاء إماراتي وعربي إلى محطة الفضاء الدولية في سبتمبر/ أيلول 2019 في إنجاز تاريخي.
أيضا، يتعاون البلدان في مشروع تطوير موقع الإطلاق “جاجارين ستارت” في قاعدة بايكونور الفضائية التي تعد أول منصة في العالم لعمليات الإطلاق المدارية والرحلات الفضائية المأهولة.
تعاون يدعم أهداف “مئوية الإمارات 2071″، التي تركز على علوم المستقبل وتطويرها في مجالات عدة من بينها الفضاء، وصولا لتحقيق هدفها بأن تكون دولة الإمارات أفضل دولة في العالم بحلول الذكرى المئوية لتأسيسها عام 2071.
ويعزز فرص نجاح تحقيق هذا الهدف، نجاح دولة الإمارات في حجز مقعد لها على قائمة كبار صناع قطاع الفضاء العالمي خلال زمن قياسي لا يتجاوز 8 سنوات منذ إنشاء وكالة الإمارات للفضاء عام 2014، كواحدة من أسرع دول العالم نموا في مجال استكشاف الفضاء، الأمر الذي يزيد أهمية التعاون بين البلدين في هذا القطاع.
التعاون بين البلدين في مجال الفضاء جاء انعكاسا للعلاقات السياسية والدبلوماسية القوية بينهما، والتي شهدت نقلة نوعية بتوقيع البلدين اتفاق شراكة استراتيجية خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا مطلع يونيو/ حزيران 2018.
ويرتقب أن تسهم الزيارة الجديدة، التي بدأت اليوم الثلاثاء، في تطوير ودعم هذا التعاون بما يصب في صالح تطوير وازدهار البلدين وتحقيق منافع للبشرية بشكل عام، خصوصا بعد ترقب استضافة دولة الإمارات النسخة الأولى من “حوار أبوظبي للفضاء” في ديسمبر/كانون الأول المقبل، بمبادرة من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
• زيارة مهمة
ويقوم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بزيارة إلى روسيا الاتحادية يجري خلالها مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتناول علاقات الصداقة بين البلدين وعدداً من القضايا والتطورات الإقليمية والدولية من بينها الأزمة الأوكرانية.
وأكدت دولة الإمارات على استعدادها التام لدعم الجهود الهادفة إلى إيجاد حل سلمي للأزمة في أوكرانيا، مجددة موقفها المتمثل في الدعوة إلى الدبلوماسية والحوار واحترام قواعد ومبادئ القانون الدولي.
زيارة تحمل أهدافا سامية تصب في صالح دعم أمن واستقرار العالم والدفع بحل سلمي لحل أبرز الأزمات الدولية التي يشهدها كوكب الأرض حاليا، وألقت بأثرها على الجميع.
إنجازات تاريخية
ولكن الزيارة لن يتوقف أثرها على هذا الحد، حيث يرتقب أن يكون لها أثرها أيضا في تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الفضاء، بعد أن حقق التعاون بينهما إنجازات تاريخية، على مدار الفترة الماضية.
أبرزها في السطور التالية:
▪︎نجاح رحلة أول رائد فضاء إماراتي لمحطة الفضاء الدولية
وحققت دولة الإمارات إنجازا تاريخيا على الصعيد العربي، في 26 سبتمبر/أيلول 2019، بعد أن وصل رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية، ليكون بذلك أول إماراتي وعربي تحط قدماه على تلك المحطة منذ إنشائها في عام 1998.
نجاح جاء ثمار نتيجة تعاون إماراتي روسي بعد أن وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة، ممثلة في مركز محمد بن راشد للفضاء وجمهورية روسيا الاتحادية، ممثلة في وكالة الفضاء الروسية “روسكوسموس”، اتفاقية تعاون في يونيو/ حزيران 2018 لإرسال أول رائد فضاء إماراتي للمشاركة في الأبحاث العلمية ضمن بعثة فضاء روسية إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة “سويوز إم إس” الفضائية الروسية.
وقضى المنصوري 8 أيام على متن محطة الفضاء الدولية، في رحلة تاريخية أجرى خلالها 16 تجربة علمية بالتعاون مع شركاء دوليين، منهم وكالة الفضاء الروسية.
وجسدت تلك الرحلة طموح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في وصول أبناء دولة الإمارات إلى الفضاء، وأكدت نجاح الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في تحقيق هذا الطموح، وتوّجت دعم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، وثقته بقيام “عيال زايد” بصناعة التاريخ.
وخلال زيارته لدولة الإمارات في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2019، التقى الرئيس الروسي رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري وزميله البديل في المهمة سلطان النيادي اللذين حرصا على الترحيب به في دولة الإمارات وتحيته باللغة الروسية.
وأعرب بوتين حينها عن سعادته بلقائهما متمنيا لهما التوفيق في مهامهما المستقبلية في خدمة بلدهما والإسهام في تقدمه وتطوره في مجال علوم الفضاء، وهنأ دولة الإمارات بانطلاق أول رائد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية.
▪︎المريخ 2117.. نجاح “المهمة رقم 1”
وقبل 3 أشهر، وتحديدا في 3 يوليو/تموز 2022، أعلن مركز محمد بن راشد للفضاء انتهاء “المهمة رقم واحد” من مشروع الإمارات لمحاكاة الفضاء وتحقيق أهدافها بنجاح كبير.
ونجحت أول مهمة إماراتية لمحاكاة الفضاء، بخروج رائد محاكاة الفضاء الإماراتي المشارك في هذه التجربة الرائد صالح العامري من عزل خضع له على مدار 8 أشهر في المجمع التجريبي الأرضي في معهد الأبحاث الطبية والحيوية التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو، أجرى خلاله 70 تجربة، ليكون أول رائد محاكاة فضاء عربي يشارك بـمهمة “سيريوس 21”.
ويأتي ذلك ضمن مشروع دولة الإمارات لمحاكاة الفضاء “المهمة رقم 1″، الذي يدخل ضمن برنامج البحث العلمي الدولي في المحطة الأرضية الفريدة بموسكو “سيريوس 21”.
وشارك في المهمة إلى جانب العامري رواد فضاء من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وتهدف المهمة إلى إشراك فريق بشري مختص في تجربة محاكاة العيش وسط ظروف بيئية وحياتية تحاكي تضاريس الكوكب الأحمر وبيئته القاسية مع إجراء الدراسات السلوكية المطلوبة لمتابعة النتائج العلمية والاستفادة منها في تحضيرات دوليّة لرحلات مأهولة إلى الكوكب الأحمر.
واستهدفت المهمة دراسة تأثير العزلة في مكان مغلق لفترة طويلة على الحالة النفسية والجسدية للإنسان بهدف المساعدة في التحضير لمهام استكشاف الفضاء طويلة المدى.
وستؤدي مشاركة دولة الإمارات في هذه المهمة دوراً محورياً في تطوير الإمكانات الإماراتية وستُسهم في تعزيز برنامج المريخ 2117، الذي يهدف إلى إنشاء مستوطنات بشرية على المريخ بحلول عام 2117، ويدعم مهام رواد الفضاء في رحلاتهم إليه مستقبلا.
▪︎الاستكشاف السلمي للفضاء.. اتفاقيات تعزز التعاون
وتشهد العلاقات بين دولة الإمارات وروسيا الاتحادية تطورا متواصلا في مجال الاستخدام السلمي للفضاء، والمشاريع التي تهتم بالاستفادة من الفضاء في تحقيق الاستدامة على الأرض.
ويعود التعاون بين دولة الإمارات وروسيا في مجال الفضاء لنحو 8 سنوات مضت عندما وقعت وكالة الإمارات للفضاء مذكرة تفاهم مع وكالة الفضاء الروسية “روسكوسموس” في ديسمبر/كانون الأول 2015 يستهدف الجانبان من خلالها التأسيس لأطر تعاون استراتيجي مشترك خلال المرحلة المقبلة.
وشملت المذكرة التعاون في النشاطات المتعلقة بسياسات الفضاء وتبادل الخبرات والمعلومات العلمية والتدريب المتبادل للمتخصصين وتطوير الكوادر المؤهلة إضافة إلى تطوير النشاطات المستقبلية ودعم العمليات في المراكز الأرضية والتوعية العامة
وشكلت تلك المذكرة نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة من التعاون الفضائي بين البلدين، حيث تطور ليأخذ منحى جديداً، بتوقيع البلدان العديد من الاتفاقيات التي تعزز التعاون بينهما في هذا المجال.
كان من أبرز هذه الاتفاقيات، توصل الطرفان إلى اتفاقية تاريخية في يونيو/ حزيران 2018، لإرسال أول رائد فضاء إماراتي للمشاركة في الأبحاث العلمية ضمن بعثة فضاء روسية إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة “سويوز إم إس” الفضائية، وهو ما تم بالفعل في سبتمبر/ أيلول 2019.
وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقعت دولة الإمارات وروسيا وكازاخستان اتفاقية ثلاثية تعهدت فيها بإطلاق مشروع تطوير موقع الإطلاق جاجارين ستارت في قاعدة بايكونور الفضائية التي تعد أول منصة في العالم لعمليات الإطلاق المدارية والرحلات الفضائية المأهولة.
ويضع خطاب النوايا هذا إطار عمل لإقامة تعاون أوثق في جميع المجالات ذات الصلة بالفضاء على أساس المساواة والشراكة والمصالح المشتركة، وسيشجع على تعزيز الاستكشاف السلمي للفضاء وتبادل المعارف والخبرات وإقامة روابط جديدة في المجالات ذات الأولوية.
وستعمل الجهات الثلاث معا لإطلاق مشاريع مشتركة بما في ذلك تحديث موقع الإطلاق غاغارين ستارت في بايكونور كوزمودروم.
وسيعملون معا على تسريع الجهود لإنشاء إطار قانوني لتطوير المركز الفضائي بالإضافة إلى تنفيذ أنشطة مشتركة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر في موقع الإطلاق.
يأتي توقيع هذا الاتفاق بعد أسابيع من توقيع دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا الاتحادية في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي اتفاقية لتعزيز استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية وتوثيق التعاون بين وكالتي الفضاء بالبلدين في العديد من المجالات.
تتضمن الاتفاقية مجموعة كبيرة من مناحي التعاون الثنائي على مستوى المهمات الفضائية المأهولة وخدمات إطلاق المركبات الفضائية واتصالات الأقمار الاصطناعية وعلم الأحياء والطب في الفضاء والمعدات والتقنيات الفضائية الجديدة، والتنظيم القانوني للأنشطة الفضائية.
وتتعاون وكالة الإمارات للفضاء ومؤسسة الفضاء الروسية “روسكوسموس”، حسبما نصت الاتفاقية في دعم الجهود الدولية الرامية إلى إيجاد حلول للتحديات العلمية والتقنية والقانونية العالمية المتعلقة باستكشاف واستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية إلى جانب تعزيز حوكمة الأنشطة الفضائية وتطوير قانون الفضاء الدولي وتنسيقه.
▪︎مستقبل واعد
وتأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا، فيما تمضي الإمارات قدما في الإعداد والتحضير لتنفيذ مشاريعها المستقبلية الطموحة في مجال الفضاء ومنها مهمة استكشاف كوكب الزهرة وحزام الكويكبات التي ستمتد من عام 2028 حتى عام 2033.
كما تأتي فيما يواصل “مسبار الأمل” الإماراتي، أول مسبار عربي وإسلامي يصل إلى مدار كوكب المريخ، مهمته العلمية لجمع معلومات وبيانات لم تتوصل إليها البشرية من قبل.
وقدم “مسبار الأمل” منذ وصوله إلى مدار كوكب المريخ في 9 فبراير/شباط 2021 مساهمات علمية غير مسبوقة ومعلومات هي الأولى من نوعها حول الغلاف الجوي للكوكب الأحمر في أوقات مختلفة.
أيضا تأتي الزيارة مع قرب إطلاق أول مستكشف إماراتي للقمر تحت اسم “راشد”، يتم تصميمه وبناؤه بجهود إماراتية 100 بالمائة في نوفمبر المقبل.
ويعني نجاح هذه المهمة ووصول المركبة إلى القمر، أن دولة الإمارات تصبح رابع دولة في العالم تنجح في مهمة إرسال مركبة فضائية إلى القمر.
كذلك تأتي الزيارة فيما يترقب العالم انطلاق النسخة الأولى من “حوار أبوظبي للفضاء” بعد نحو شهرين.
في خطوة مهمة على طريق تطوير قطاع الفضاء وتحقيق مستهدفاته بما يخدم الإنسانية ويساهم في تعزيز جودة الحياة على الأرض، أعلن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، في سبتمبر/ أيلول الماضي، استضافة النسخة الأولى من “حوار أبوظبي للفضاء”.
وقال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عبر تغريدة في حسابه بموقع “تويتر”: “تستضيف الإمارات (حوار أبوظبي للفضاء) ديسمبر المقبل بهدف صياغة سياسات دولية جديدة في مجال الفضاء وقيادة حوار عالمي حول أهم التحديات التي تواجه هذا القطاع.. نسعى إلى جعل الإمارات وجهة عالمية رئيسية في علوم الفضاء ومشاريعه”.
وينطلق الحوار تحت رعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وتنظمه وكالة الإمارات للفضاء يومي 5 و6 من شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2022 .
العين