خاص الهديل:
في إسرائيل ينظر المستوى الاستراتيجي فيها ، الى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، على انه في العمق، هو جزء من مشهد الاتفاقات التي أبرمتها إسرائيل مع الدول العربية .
وبنظر الاستراتيجيين الإسرائيليين، فإن وصف هذا الاتفاق من الجانب اللبناني بأنه “تقني” ، أو بأنه “غير مباشر”، أو بأنه يتجنب اي معنى سياسي، أو أي معنى يصب في “دائرة التطبيع ” مع اسرائيل، لا يعدو كونه كلاما يريد دفع الاحراج ؛ فيما الواقع يفيد بأن هذا الاتفاق يخدم عدة معاني إستراتيجية كبيرة، يوجد لاسرائيل مصالح جوهرية وبعيدة المدى فيها:
اولا يؤكد هذا الاتفاق أن الدول العربية تمضي الواحدة بعد الأخرى، وكل واحدة منها بشكل مختلف، وضمن صيغة مختلفة، وتحت تأثير ضغوطات ومستجدات متباينة، إلى الاعتراف بوجود إسرائيل ليس فقط كأمر واقع، بل كوجود لم يعد من الممكن عدم التعامل معه ، وذلك أما لأسباب اقتصادية كما هو حاصل مع لبنان اليوم، أو لأسباب إستراتيجية وجيوسياسية ، كما هو حصل مع العديد من الدول العربية.
ثانيا الاتفاق يتعلق بترسيم حدود ، بمعنى ان كلا من الطرفين يتبادلان الاعتراف بحدود الطرف الآخر، وذلك انطلاقا من مجرد موافقته على حدوده .
ان المعنى القانوني لترسيم الحدود، له معنى صلب ، و هو الاعتراف بحدود الآخر سواء كان هذا الاعتراف علنيا أو ضمنيا وغير مصرح به.
والواقع ان الغائب الوحيد الذي بستثني وجوده في هذا الاتفاق، هو الجانب الفلسطيني الذي رغم انه المالك الأساسي والقانوني للاراضي والمياه البحرية المرسمة، الا انه بسبب موازين القوى غير موجود، وجرى ترسيم حدوده بعيابه وبعدم وجود اية اشارة الى غيابه .. انه بالكامل غير موجود ؛ وهذه هي النقطة الأهم التي تريد اسرأئيل ابرازها في اي اتفاق تبرمه مع العرب بعض النظر عن موضوعه، وسواء كان هذا الاتفاق مع لبنان، او مع غير لبنان.
ثالثا – كان التوقع بحسب ما اشاع الاعلام العبري، ان تكون السعودية او غيرها من دول الخليج العربي، هي الدولة العربية التي ستنصم الى مسلسل عقد الاتفاقات العربية مع اسرائيل في عهد بايدن ، ولكن المفاجآة حاءت من لبنان الذي اندفع تحت غطاء حل ازمته الاقتصادية الخانقة الى ترسيم حدوده البحرية مع اسرائيل؛ في حين ان حدوده مع جارته الشقيقة سورية، لا تزال غير مرسمة، ولا تزال محل عدم اعتراف بها من الجانبين. .
ويريد هذا التفكير الاسرائيلي القول ان بايدن هو الذي سمح للابيد بالنزول بالمظلة وراء خطوط إيران في لبنان، وذلك تحت غطاء من القصف الاقتصادي الأميركي العنيف للبنان ، والذي أدى إلى نتائج معيشة كارثية الزمت لبنان ومعه حزب الله على التسليم بأنه لم يعد أمام بلد الأرز الا طريق وحيد لإنقاذ اقتصاده وهو ترسيم الحدود مع إسرائيل، وبمقابل ذلك، اخذ غازه منها بضمانة اميركية فيما غاز كاريش الفلسطيني أصبح غازا اسرائيليا مرسما مع الجار اللبناني.