خاص الهديل
في الضفة الغربية، وتحديدا في شمال الضفة، تولد تجربة جديدة للمقاومة ضد إسرائيل، وايضا تولد تجربة جديدة للمقاومة من أجل فلسطين.. وتحاول هذه المقاومة أن تكون ذات تجربة خاصة بها، حيث يكمن تمايزها واهميتها بانها لا تشبه اي فصيل فلسطيني سبقها أو مجايل لها ، أو أي حركة وحزب قاتل إسرائيل منذ العام ١٩٤٨ وحتى الان ..
ورغم أن عمر هذه المقاومة أقل من ستة شهور، الا ان التفاعل معها داخل فلسطين وخارجها بات كبيرا، وتزداد أهميته بالنظر لكون هذا الاهتمام يتعاظم يوما بعد، وحتى ساعة بعد ساعة.
تعرف هذه التجربة الجديدة باسم حركة ” عرين الاسود” ، وتضم مجموعات مسلحة، ويقع مقرها الرئيس في قلب مدينة نابلس القديمة ..
وصار معروفا كيف ظهرت “حركة عرين الاسود” لأول مرة، منذ نحو ستة أشهر، ومن هم رموزها الذين استشهدوا خلال اشتباكات جرت مؤخرا مع الاحتلال الاسرائيلي، وايضا من هم رموزها الذين اعتقلوا على أيدي السلطة الوطنية الفلسطينية، ولكن ما هو لا يزال غير معروف ، أو لا يزال بحاجة لتسليط الضوء عليه ، هو الإجابة عن سؤال ” لماذا. حركة عرين الأسود التي ولدت حديثا، باتت تحتل في هذه المرحلة، داخل عنوان المقاومة. الفلسطينية، الحيز الاعلامي الاوسع اسرائيليا وفلسطينيا وعربيا ودوليا؟؟.. وايضا لماذا باتت تحتل مكانة كبيرة ومتقدمة داخل مجال العطف الفلسطيني العام؟؟؟..
الإجابة عن هذه الأسئلة، تبدو غاية في الاهمية ، لكونها تظهر أمرين اثنين اساسيين: الأول أن ولادة “حركة عرين الأسود” لا تشكل فقط تأكيدا حاسما على أن الشعب الفلسطيني لن يتكيف مع الاحتلال بفعل مرور السنين ، بل تشكل ايضا تأكيدا حاسما على أن الجيل الجديد من الشعب الفلسطيني بدأ يشعر بأن لديه حاجة كبيرة لإنتاج فعل مقاوم جديد ، ونموذج مقاومة جديد، يشبه الاجيال الفلسطينية الجديدة سواء في مناطق العام ١٩٤٨، أو في مناطق ال١٩٦٧ ، أو في المنافي العربية والعالمية.
ثانيا ، كون أهمية تجربة “عرين الأسود” تكمن في انها تلحظ هذه الحاجة لدى الشعب الفلسطيني. وهي تراعيها وكانت منسجمة معها في عملية صيرورة انطلاقتها، وفي كل ممارساتها العسكرية والشعبية ؛ وأيضا في مفردات خطابها الوطني.
ويمكن لاي مراقب ان يلاحظ ان ” حركة عرين الأسود” منذ انطلاقة مشروعها الوطني المقاوم، وهي تركز على أربع نواح في تجربتها الوليدة ؛ وتشكل هذه النواحي الأربعة سر التقبل السريع الذي يبديه الشعب الفلسطيني لهذه الحركة، وسر شيوع الاحترام لها داخل فلسطين وخارجها، وحتى داخل الاعلام الاسرائيلي الذي يطالب بالتخلص السريع منها، ولكنه بنفس الوقت يعترف بأن “عرين الأسود” هي تجربة تحاكي المستقبل الفلسطيني !!.
ما هي هذه النواحي الأربع؟؟:
الناحية الأولى تكمن في أن حركة عرين الأسود تعلن باستمرار انها ليست جزء من الحالات الفصائلية الفلسطينية ؛ اي انها خارج اي مشروع تنافس أو اقتتال فلسطيني داخلي، سواء مع فتح او مع حماس او مع السلطة الوطنية الفلسطينية، الخ. ، ولذلك نرفع حركة عرين الأسد شعار أن سلاحها موجه فقط ضد الجيش الاسرائيلي.
الناحية الثانية : عرين الأسود تتوسل وسائل التواصل الاجتماعي للانتشار وتعميم تفاعل حالتها مع بيئتها الشعبية الفلسطينية .. وبهذا المعنى، فإن حركة عرين الأسود كمنهجية عمل وسلوك، تشبه “ثورات الفايسبوك”، ولكن مع فارق انها مقاومة مسلحة وحركة نحرر . وبهذا المعنى ايضا فإن حركة عرين الأسود هي حركة قطع مع اساليب العمل الماضية التي اتبعتها الفصائل الفلسطينية ولا تزال تتبعها.
وفي هذا المحال يلاحظ انه خلال السنوات الماضية شهدت البيئة الشعبية الفلسطينة اكثر من حالة احتجاج فايسبوكية ( ثورات الفايسبوك)، اعتراضا على تردي الوضع الفلسطيني وعلى ” السلوك الفصائلي ” الذي يتسم بالنزاع والصراع الداخلي الفلسطيني الحزبي والضيق الأفق. وكانت المخيمات الفلسطينية في لبنان شهدت قبل عدة سنوات احتياجات فايسبوكية، وايضا الأمر ذاته حدث في الضفة وفي غزة ولو على نطاق ضيق… وكل هذه الحالات مثلت ارهاصات لعملية تغيير داخل المنهج المقاوم الفلسطيني، وتلاقت مع ظهوى مجموعات مسلحة محلية في مخيمات جنين وشعفاط وداخل مدينة نابلس تمتاز بأنها ذات سلوك شبابي مغاير للسلوك التقليدي الحزبي الفصائلي الفلسطيني السائد من ستينات القرن الماضي حتى الآن.
الناحية الثالثة وهي استتباع للناحية الثانية : تشبه “عرين الأسود” الملامح النفسية والثقافية لردود الفعل النضالية التي حفلت بها مواقف ” فلسطيني عرب ٤٨ ” خلال حرب “سيف القدس” .. وتشبه ايضا الملامح النفسية والثقافية والنضالية لطبيعة تفكير الاجيال الفلسطينية الجديدة في الضفة الغربية المحتاجة للتغيير الداخلي من أجل تنظيم حملة مواجهة بمفاهيم جديدة مع الاحتلال الاسرائيلي وللمشاكل الفلسطينية الداخلية..
الناحية الرابعة: تشبه حركة عرين الأسود في لحظتها الحالية لحظة انطلاقة خركة فتح في ستينات القرن الماضي، وقد تتفاعل هذه الحركة على نحو يؤدي إلى أن ترث حركة فتح المتهالكة ؛ ومن ناحية ثانية قد تتفاعل هذه الحركة باتجاه أن تصبح هي ” البديل الوطني ” لتجربة حركة حماس في المقاومة.