الهديل

التعاطي مع 31 تشرين كأنه «ليلة رأس السنة» واستعداداتٌ لاحتفالاتٍ بطبل وزمر

 

لم يعد يفصل لبنان عن نهايةِ ولايةِ الرئيس ميشال عون إلا 14 يوماً يُنتظر أن تكون حبْلى بآخِر فصولِ «اللعب على الحِبال» السياسية على مَساريْ الاستحقاق الرئاسي في ذاته كما تأليف حكومةٍ كاملة المواصفات يقع على عاتقها إدارةُ شغورٍ منظَّمٍ في الكرسي الأوّل وتوفير «هبوطٍ آمن» لفشلٍ دستوري جديد والتخفيف من وقْعه على الوضع المالي بانهياره الهادر الذي لم يغيّر «حرفاً فيه» حتى الساعة هديرُ الهبّة الباردة للترسيم البحري مع إسرائيل.

خطاب نهاية العهد

ويتم التعاطي في بيروت، مع الأسبوع الطالع وأيامه الأربعة الأولى على أنها يفترض أن تحدد «اتجاهات الريح» في الملف الحكومي بعدما كرّستْ وقائعُ الأيام الأخيرة أن الانتخاباتِ الرئاسيةَ وُضعت على رفّ انتظارِ تَقاطُعاتٍ داخلية تُفرض على «نار» التوازن السلبي نيابياً وتَشظياته المالية والمعيشية وربما الدستورية ما لم يكن أُفرج عن الحكومة بولادةٍ قيصرية، كما اكتمال عناصر رافعةٍ خارجية لابد أن يتكئ عليها أي انفراجٍ رئاسي تَأمّنت له «قاطرةٌ» قوية اقتصادياً عبر اتفاق الترسيم البحري الذي يُرتقب أن تُسدل الستارة على آخر مراحله قبل نهاية الشهر بتوقيعه في الناقورة ليصبح ناجزاً.

 

وحدُه تأليف الحكومة بقي محور رصْدٍ لِما إذا كانت الأيام الفاصلة عن 21 الجاري ستحمل «الترياقَ السحري» لتشكيلةٍ يُراد أن تحمل عبء الفراغ الرئاسي وعلقتْ «بين أنياب» صراعٍ سياسي على توازناتها بين فريق الرئيس عون وبين رئيس حكومة تصريف الأعمال المكلف تشكيل الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي – و«عن بُعد» رئيس البرلمان نبيه بري – الذي يرفض تحويل «مجلس الوزراء الرئاسي» كيس رمل في السباق المحموم إلى قصر بعبدا وتسليم «رأسه» دستورياً وسياسياً لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل (صهر عون) عبر تكريسه «القفل والمفتاح» في استحقاقٍ مفصلي لن ينتهي إلا وفق حلول «السلّة الواحدة» ذات الصلة بـ «اخواته»، في ما خص حكومة العهد الأولى وتعيينات الخمس نجوم وما شاكل.

 

ومردّ جعْل 21 الجاري تاريخاً مفصلياً، التعاطي معه من بعض الأطراف على أنه موعد تحوُّل البرلمان (في الأيام العشرة الأخيرة من الولاية الرئاسية) هيئة ناخبة حُكماً في الاستحقاق الرئاسي وانتقاله إلى وضعية الانعقاد الحُكمي حتى إنجاز الانتخابات، ما يجعل مشاركته في إكمال نصاب أي حكومة جديدة قبل حلول الشغور عبر منْحها الثقة أمراً متعذراً.

 

علماً أن مواقف سابقة لنواب في كتلة بري كانت جزمت بأن دعوته مرتين منذ 29 سبتمبر لجلسة انتخاب (ستليهما جلسة بعد غد) تُسْقِط حجة الانعقاد الحكمي لتبقى «العِصمة» في توجيه الدعوات بيد رئيس المجلس وتستمرّ السلطة التشريعية في ممارسة دورها كاملاً خارج جلسات الانتخاب التي جرى الحرص على ختْم محضر أولاها التي تَوافر نصابها، وهو ما سيتكرر مع أي جلسةٍ تلتئم بحضورِ الـ 86 نائباً وما فوق وتنتهي إلى… لا انتخاب.

 

وفي أي حال، وبمعزلٍ عن الإشكاليات الدستورية التي ستحوط بالملف الحكومي، فإن الأيام المقبلة القليلة تُقاس بالمعنى السياسي، وسط توقف أوساط مطلعة عند مواقف صدرت في الساعات الماضية وعَكَست تصلُّباً في الاستحقاق الرئاسي كما عملية التأليف.

 

ولم يكن عابراً في هذا السياق، تحديد رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد مواصفاتٍ جديدةً للرئيس الجديد للجمهورية، تكسر معادلة «ليس معنا ولا ضدّنا»، بكلامه عن «اننا نريد رئيساً للجمهورية يحقق مصلحة البلاد ولديه ركب، ولا يأمره الأميركي فيطيع، بل يطيع المصلحة الوطنية»، مشدداً على أن «هناك صفة يجب أن تكون في رئيس الجمهورية المقبل، ونحن معنيون بالتفكير بها ونضعها على الطاولة، وهي رئيس جمهورية يقر ويحترم ويعترف بدور المقاومة في حماية السيادة الوطنية».

 

ولم يقلّ دلالة التصعيد الكبير الذي قام به باسيل في الاحتفال الذي أقامه التيار الحر السبت في ذكرى 13 أكتوبر، والذي حرص على أن يطبعه بمشهدية حاشدة يُراد أن تتحوّل جماهيريةً أكثر لمناسبة مغادرة عون القصر الجمهوري في 31 الجاري أو في 30 منه، وذلك في مقابل «احتفالات» يجري التحضير لها من خصوم العهد الكثر الذين يتعاطون مع انتهاء الولاية على أنه بمثابة «رأس سنة» جديدة ستُقابَل بمهرجاناتِ فرح غير مألوفة ولا مسبوقة في تاريخ لبنان ولا الرؤساء الذين تَعاقبوا على الجمهورية.

 

فباسيل الذي جزم أن عون سيعود في 31 أكتوبر إلى الرابية «أقوى ومتحرراً من قيود الرئاسة» بدا أنه رسم معادلة «اعطونا حكومة أو رئيساً بشروطنا» أو قد يعلن أنه بات مرشحاً شخصياً للرئاسة.

 

وهو قال «لم نعلن ترشّحنا بعد على الرئاسة،حتّى ما نحشر حدا ولا نعقّد الموضوع وانتبهوا كي لا نغيّر رأينا، ولنتوافق قبل الفراغ وننتخب رئيساً، ولن نقبل برئيس لا يتمتع بحيثية شعبية ونيابية أو ليس مدعوماً من كتلة نيابية وازنة شعبياً ومسيحياً بالتحديد ونرفض تعيين رئيس من الخارج».

 

وفي الملف الحكومي، أكد باسيل المؤكد لجهة اشتراطه تغيير الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية بآخرين من صفوف التيار أو يدينون له بـ «الولاء السياسي»، إذ قال: «الوزراء، خصوصاً في الفراغ، يتحملون مسؤولية سياسية في إدارة البلد ولا شيء يمنع أن يكونوا اختصاصيين، لا بل أحسن، ولكن عندهم مسؤولية سياسية حسب الدستور ولا حدا يحملها عنهم(بالعياري)، فإما يكونون أصيلين، وإما لا يكونون وكل واحد مبندق يروح يتبندق ببيته مش ببعبدا. خلصنا بندقة».

 

وأضاف:«الحكومة لن تتشكل خارج الدستور وخارج الشراكة، ولن نسمح بتجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية وموقعه بعملية تشكيل الحكومة». «(مش حرزانة) الرئيس عون يقبل بآخر أسبوعين بالذي لم يقبل به على مدى ست سنوات! ورغم أنّنا غير مهتمّين أن نكون بالحكومة، لن نقبل أن يُمسّ بحق رئيس الجمهورية ولا بحق الناس الذين نمثلهم، هؤلاء ليسوا مشاعاً فالتاً (مين ما كان بيمدّ إيدو عليه…) كذبة التكنوقراط حتى تضعوا أيديكم على تمثيلنا انتهت، حكومة تصريف أعمال ناقصة الصلاحيات لا تستطيع أن تجتمع ولا أن تتخذ قرارات، ولا أن تتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية. وموقع رئيس الجمهورية وصلاحيّاته ليست (رزق ميّت صاحبه)، أوقِفوا اللعب وروحوا ألّفوا حكومة بلا تضييع وقت. كل واحد (يضبّ إيدو وما يمدّها لبرّا)».

 

وفي موازاة ذلك، انهمكت بيروت بمعلومات عن أن السفارة السويسرية في لبنان ستجمع غداً ممثلين لكل من «حزب الله، حركة أمل، التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، الحزب التقدمي الاشتراكي، ونواباً من قوى التغيير»، على مأدبة عشاء في مقر السفارة.

 

وإذ تعاطت وسائل إعلام لبنانية مع هذا العشاء على أنه تمهيد لمؤتمر وطني يُعقد الشهر المقبل في جنيف لمناقشة عدد من النقاط الأساسية المتعلقة بالوضع في لبنان بحضور ممثلي الأحزاب اللبنانية نفسها، فإن دوائر سياسية بقيت حذرة جداً حيال مثل هذا المؤتمر وواقعية التسليم لسويسرا بلعب دور «الصليب الأحمر السياسي» في الأزمة اللبنانية، ولاسيما أن الكلمة الفصل في أي «تدويلٍ» للملف اللبناني بترجماتٍ مباشرة على التوازنات فيه تعود إلى «حزب الله» الذي بات يُمْسك بكل خيوط اللعبة الداخلية ولو تحت سقف انعدام الجاذبية في البرلمان، وتالياً من الصعب أن يسلّم بإدخال «شركاء» معه إلى أرضٍ «ساقطة» سياسياً بيده، وهو الذي لا يرى ومن خلفه إيران في معادلة «الأخذ والعطاء» حيال الوضع الداخلي بامتداده الإقليمي إلا… الولايات المتحدة.

وكانت الدعوة السويسرية أثارت أخيراً التباسات وسط تقارير نقلت أن الدعوة تأتي في سياق استضافتها مؤتمراً أكاديمياً للحوار يُعقد سنوياً وأن لا علاقة له بالأزمة في لبنان انطلاقاً من الاستحقاق الرئاسي ووجوب إنجازه.

 

الراي

 

 

Exit mobile version