الهديل

الراعي: التعاون ضروري ولكن ليس على حساب السيادة

ألقى البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي عظة في كاتدرائية القديس يوسف المارونية – الظاهر في القاهرة، حملت عنوان: “في منتصف الليل صارت الصيحة: هوذا العريس أخرجوا للقائه”، في حضور راعي الأبرشية المطران جورج شيحان،  سفير لبنان في القاهرة علي الحلبي وعدد من الكهنة والراهبات، قال فيها: “في إنجيل اليوم العريس هو الرب يسوع، فادي الإنسان ومخلص العالم. هو عريس لأنه صديق كل إنسان ورفيق كل إنسان في دروب الحياة. مجيئه المفاجئ هو ساعة موت كل واحد منا. فيه يطلب أن نكون مستعدين لهذا اللقاء. تنبسط معاني هذا الإنجيل إلى مجئ الرب في حياتنا اليومية عندما ينتظر منا موقف او عمل أو مبادرة خيرة بناءة فعالة، ويدعونا لنكون مستعدين لمجيئه اليومي وللقائنا معه في نهاية حياة كل واحد وواحدة منا.
يسعدني أن نحتفل معًا بهذه الليتورجية الإلهية، وكما ذكر سيادة راعي الأبرشية، انا هنا لتلبية دعوة للمشاركة في المؤتمر الذي تنظمه جامعة الدول العربية بالتعاون مع المجلس العالمي للتسامح والسلام في مقرّ الأمانة العامة للجامعة بين 17و18 تشرين الأول الجاري، وقد طُلب اليّ الكلام في جلسة الافتتاح بموضوع: “التسامح في المسيحية ودوره في ترسيخ أسس السلام الاجتماعي”.
نحن نرجو ان يكون هذا المؤتمر من سلسلة اللقاءات التي فيها يتحاور الجميع من اجل بناء السلام. وخاصة الحوار الذي يبنى على القيم الدينية والقيم الروحية خلافًا لما يقول البعض أن الأديان مصدر خلافات ونزاعات، هذا غير صحيح بل الأديان تعطي روح، ومعنى وقيمة لكل حوار دبلوماسي بين الشعوب. الأديان تعطي الأساس لكل تفاوض بين الناس، أساسًا خلقيًا، أساسًا روحيًا، وبدون هذا الأساس تبنى المفاواضات على المصالح والنزاعات، كأننا نبني على الرمل. الحمدلله في هذه السنوات الأخيرة هناك سعي حول حوار الأديان، كل الأديان من أجل إستعادة هذه الأسس الروحية وهذه القيم. المؤتمر هذا الذي نشارك فيه يندرج  في هذا الخط.
الإنجيل اليوم كما قلت هو إنجيل لقاء المسيح الرب مع كل إنسان في حياته اليومية يستعمل الرموز. الرمز الأول أن يسوع هو العريس لأنه رفيق الإنسان، فادي كل إنسان، صديق كل إنسان كما ظهر في حياته التاريخية. يأتي في يومنا الأخير ولا يسمي هذا اللقاء موتًا، الموت طبيعي كل من يولد يموت. نعرف هذا. سنموت ويجب أن نموت لأننا بدأنا مسيرة تاريخية. لكن يعنيه أن يقول عند ساعة الموت هو الذي يتقبل كل واحد منا. هو الذي يعطي معنى لحياتي بعد التاريخ. هو الذي يسعدني إن كنت عشت معه ومع الله، و بكل أسف لا يعرفني لأنني لم أعرفه في هذه الدنيا. يستعمل صور العرس. العذارى هم النفوس هم الناس. الحكيمات هم الذين يفكرون في عمق الحياة ومعانيها، يفكرون بالموت بمعنى الموت، بالألم، بمعنى الوجود ويحطاطون له بحياة صالحة، ويضعون امامهم القاعدة التي تقول: إذكر يا إنسان أواخرك فلن تخطأ. الجاهلات هم الناس السطحيون الذين يعيشون لهذه الدنيا فقط . اما المصابيح فهي العقل، الطاقة لمعرفة الحقيقة، الارادة لفعل الخير، القلب للمشاعر الانسانية. والزيت هو الايمان للعقل والرجاء للارادة والحب للقلب. لا احد يعرف ساعة موته وكيف سيموت لكن ينبغي ان اكون مستعدًا. في حياتي اليومية ينتظر مني الرب موقفًا في لحظته، يجب ان اقول الحقيقة الآن، يجب ان احمي العدالة الآن، ينبغي ان ابني السلام الآن. ان اقول لا عندما يجب ان اقول لا ونعم عندما يجب ان اقول نعم. لا استطيع ان اعيش فاترًا. فلا معنى للحياة بدون موقف. الكثير من الناس يهربون من قول الحقيقة ومن الدفاع عن العدالة ومن اتخاذ موقف بوجه الظلم. فلا قيمة لحياتهم ولا معنى لوجودهم”.
أضاف: “إننا نوجّه معكم تحية تقدير لفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، لمثابرته في عملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ولحرصه على وحدة القرار مع كل من دولة رئيس مجلس النواب ودولة رئيس مجلس الوزراء. ونرجو أن يعبر الترسيم القانوني الى حيّز التنفيذ، وان تنبسط وحدة القرار هذه الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 31 تشرين الأول الجاري. ويتطّلع اللبنانيون واصدقاء لبنان الى انتخاب رئيس يعمل على شدّ أواصر وحدة الشعب اللبناني، ويلتزم مع الحكومة والمجلس النيابي في إجراء الإصلاحات المطلوبة، والنهوض الاقتصادي والمالي والمعيشي. وعلى هذه النية نصلي معكم الليلة.
خيار الرئيس هو قرار جماعي يعطي الشعور لكل مواطن ان الرئيس هو رئيسه. لذا، لا يحق لأي طرف لبناني ان يُنكر على أي طرف لبناني آخر حقّه في أن تكون له كلمة في اختيار رئيس للجمهورية. فالرئيس الماروني، بحسب الميثاق الوطني المتجدد في اتفاق الطائف، هو رئيس كل اللبنانيين، وبالتالي يجب اختياره في اطار الأصول الديمقراطية والثوابت الوطنية.
ان التعاون بين جميع الأطراف هو ضروري، ولكن ليس على حساب السيادة، وهو مسؤولية إيجابية مشتركة ينبغي ألاّ تبلغ حدّ الفيتو والتعطيل.
أما لجهة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، حيثُ تاريخهم وثقافتهم وحضارتهم ووطنهم، فإن عددهم الذي يفوق المليون ونصف بات يشكّل عبئًا اقتصاديًا ضاغطًا لا يستطيع لبنان المنهك حِملَه، كما يشكل خطرًا أمنيًا على المجتمع اللبناني، وينذر بخلل ديموغرافي له نتائجه الوخيمة على النظام السياسي في لبنان، فضلاً عن تغيير في هوية لبنان الثقافية.
لقد صُدمنا برفض المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة قرار لبنان بإعادة هؤلاء النازحين إلى وطنهم، وبتمسّكها بإعطاء كل نازح حرية البقاء او العودة. هذا القرار غير مقبول على الإطلاق، لأنه مكلف جدًا على لبنان. بل نطالب الدولة اللبنانية بالمضي قدمًا في مواصلة إعادة النازحين السوريين إلى المناطق السورية الآمنة، لكي يتمكن لبنان من تطبيق مشاريع الإنقاذ. ونطالب الأمم المتحدة بأن تعطي مساعداتها المالية للنازحين على أرض سوريا لا على أرض لبنان.
إننا نطالب بكل ذلك لا كرهًا ولا عداء ولا بغضًا، بل حبًا بالإخوة النازحين، لكي يعيشوا بكرامة في وطنهم، ويواصلوا فيه كتابة تاريخهم، ويحافظوا على ثقافتهم وحضارتهم، وهي العناصر التي تشكل هويّة كل بلد ووطن . فالاوطان ليست فقط ارض وجغرافيا انما ايضا ثقافة وحضارة وانتماء.
وانّا نودع هذه الأمنيات في عناية الله، وتشفّع أمنا مريم العذراء، والقديس يوسف شفيع هذه الكاتدرائية، لمجده تعالى ولإحلال الخير والسلام في مصر ولبنان والعالم”.
Exit mobile version