الهديل

د. حمد الكواري: كأس العالم عرس حضاري ضمن الدبلوماسية الثقافية

أكد الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري، وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية، أن الثقافة روح الشعوب، وأن لقطر دورا محوريا ثابتا في تعزيز هذه المقولة على مر العقود والسنوات، وذلك خلال ندوة فكرية نظمها نادي الكتاب العربي بجامعة جورجتاون في قطر بالتعاون مع معهد الدوحة للدراسات العليا ودار نشر جامعة حمد بن خليفة مساء أمس احتفاء بالطبعة الثانية من كتاب “على قدر أهل العزم: سيرة فكرية”.
ونوه د. الكواري خلال كلمة افتتح بها الجلسة، بأن مناسبة كأس العالم FIFA قطر 2022، “ليست مناسبة رياضية فحسب، بل تتخطاها لتكون عرسا حضاريا ضمن الدبلوماسية الثقافية التي لها تأثيرها الفعال في ترسيخ صورة بلاد ومجتمع وحضارة ما في أذهان الزائرين”. لافتا إلى أن “قطر تدرك أهمية هذا الرهان ودوره البنَّاء، داعيا إلى اغتنام هذه الفرصة كل من موقعه لكسب الرهانات المجاورة للنجاح الرياضي.
يأتي هذا القول من منطلق فهمه للثقافة كونها حقل أسئلة لا حقل مختبرات فقط، وقال في هذا السياق: إن الثقافة التي لا تنتج الأسئلة هي ثقافة جامدة، مثل اللغات التي لا تطور نفسها فمصيرها الزوال. كما أن المثقف مدعو إلى بسط أسئلته دائما، فهو في كل مرحلة من مراحل التاريخ يعيش الصراع. وما الصراع غير مظهر من مظاهر تمسكه بالسؤال عن وضعه ودوره في مجتمعه وفي الحضارة الإنسانية.
مضيفا: كثيرا ما قلت إنني مشغول بالأسئلة لأنها تجعلني يقظا لما يطرأ في حاضر مجتمعي وحضارتي من مشاغل وتحديات، وعندما طرحت عليَّ فكرة إعادة طباعة كتابي “على قدر أهل العزم” وجدت نفسي أمام أسئلة كثيرة، لا شك أنها خامرت أذهانكم أيضا، إذ هل من المناسب أن نعيد اليوم النقاش بشأن الموضوعات التي طرحتها في هذا الكتاب قبل سنوات، والحال أننا نعيش في وضع عالمي يشهد حربا ترتبت عليها أوضاع اقتصادية قاسية تجعل البشرية أمام شفير حرب عالمية ثالثة مع احتمال تكوين نظام عالمي جديد.
وهل هناك مبررات فكرية جادة لإعادة طباعة الكتاب في الدوحة اليوم التي تستضيف أكبر حدث في العالم يجمع قوميات وأجناسا ومستويات اجتماعية واقتصادية متعددة؟ وما هي أهمية أن أقدم اليوم كتابي في المدينة التعليمية وفي واحدة من أبرز الجامعات في العالم؟
وأجاب قائلا: أعتقد أن الأسئلة المتعلقة بالثقافة والمعرفة تتلبس بالمثقف العربي مثلما تتحرك في حصون المعرفة. فالجامعة الرائدة هي الحصن الذي يرعى الأسئلة، والجامعيون في كل مجالات العلم يعملون بدافع السؤال في جميع أبحاثهم أيا كانت الظروف والسياقات. لذلك رحبت بهذه الندوة في هذا المكان وفي المرحلة الأخيرة من استعداداتنا للاستحقاق الدولي المطلوب منا وفي ظل الظروف الدولية الراهنة. كما أنني مؤمن بأن موضوعات الكتاب تستجيب لمتطلبات هذه المرحلة وتتفاعل معها، فقد انشغلت في كتابي بالمستقبل أكثر من انشغالي بالماضي والحاضر، فكانت قضاياه ابنة هذه المرحلة أيضا، وكم من كتاب يحمل أفكارا مستقبلية، حتى في تاريخنا العربي القديم. تجعله كلما نشر أكثر راهنية أحيانا من كتب أخرى وليدة مطابع زمانها، ذلك أن الفكر القائم على مساءلة القضايا الكبرى يظل حيا، ومثل ذلك كتابات العلامة ابن خلدون، كلما أعدنا قراءتها وجدناها معاصرة وتستجيب لأسئلتنا”.
دور الإعلام في الحدث الاستثنائي
تطرق الدكتور حمد الكواري في كلمته إلى دور الإعلام من وجهة نظر تشاركية، في الحدث الرياضي الاستثنائي حيث قال إن: “للإعلام دورا كبيرا في إبراز الأبعاد الثقافية لهذا الحدث الاستثنائي، فلا ينبغي أن تغطي الشجرة كامل الغابة، حيث تكون الرياضة وسيلة دبلوماسية ضمن موجهات الدبلوماسية الثقافية عامة، فالوعي بدقة هذه المرحلة يستدعي من الإعلام أن يستثمر كل الجوانب الثقافية التي تحول الحدث إلى قوة ناعمة.
وحول دور المؤسسة التعليمية باعتباره رهانا متجددا قال: ليست المؤسسة المدرسية ومنها الجامعية معنية فحسب بتمثيل ما يسود في المجتمع من أفكار وعادات وسلوكيات موروثة، فما أراه فيها (والكلام التالي مقتبس من كتابه على قدر أهل العزم) “هو أن قيمتها وعبقريتها تستمدهما من أنها تمثل قوة تغيير هائلة، إنها مختبر لصناعة المستقبل”. مشيرا إلى أن استثمار هذه الصناعة من أهم الاستثمارات حيث تتحول الجامعة إلى قلب المجتمع النابض، وليس حصنا مسوّرا لا يرى منه الجامعي ما خلفه من هموم ومشاغل، ولا يرى فيه أبناء المجتمع ما يحد من تطلعهم إلى آفاق التقدم والنهضة.
وأكد د. الكواري أن “المؤسسة التعليمية بشتى أصنافها تلعب دورا مهما في تعزيز التنمية المستدامة، وتوليد الابتكار والمعرفة، ولكن للجامعة دورا استثنائيا لأنها مسؤولة عن تثقيف صناع القرار الذين يشكلون المستقبل. وأوضح أن “ما يحتاجه المجتمع عندما تلعب الجامعة دورها الطلائعي، هو نوع جديد من المثقفين القادرين على منح قاعة الدرس والمختبر من نوافذ مفتوحة على المجتمع والعالم، وذلك يتعزز بتجنب الجامعي عوائق الخطاب الإيديولوجي أو الإثني أو اللغوي أو العرقي. فيغلب الخطاب الثقافي في كل تلك المقاربات العلمية والبحثية، ذلك الخطاب الذي ينهل من القيم العلمية للحضارة العربية الإسلامية، باعتبارها حاضنة للحوار الثقافي المتفاعل مع الحضارات الأخرى”.
وقال وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية مقتبسا قوله من كتابه المحتفى به إن الثقافة “قضيتنا جميعا على الصعيد العالمي لنروي روايتنا المشتركة ونصنع أملا جديدا وحلما مشتركا أرحب للتعددية الثقافية القائمة على الحقيقة وإنقاذ الإنسان الكوني من يأسه من الأخوة الجامعة بين بني البشر”.
وأعقب كلمة الدكتور حمد الكواري نقاش مثمر، وأسئلة حارقة، وتطارح الحضور مجموعة من القضايا الجوهرية التي لها علاقة بكونية الإنسان، وباللغة العربية وبحث الحلول لتحصينها وحمايتها، وتعزيز حضورها ودورها في المجتمعات العربية، وتحديدا في قطر حاضنة التنوع الثقافي والحضاري، من خلال دور المؤسسات الجامعية، ومنها على وجه الخصوص جامعة جورجتاون في قطر.
وفي ختام الندوة قام الدكتور حمد الكواري بالتوقيع على الطبعة الجديدة من الكتاب الصادر عن دار نشر جامعة حمد بن خليفة، وإهداء نسخ منه للحضور.
المصدر: صحيفة الشرق – قطر

Exit mobile version