في الساعات القليلة الماضية أشاع متصلون بمناخات الرئيس المكلف تأليف الحكومة نجيب ميقاتي اجواء مفادها ان مسار التأليف الجامد بدأ يشهد حراكاً خفراً لكنه عزز الأمل بولادة حكومة كاملة الاوصاف على رغم ضيق الوقت وضغط التطورات.
المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أحد أبرز سعاة الخير والمولجين بالوساطة اكتفى بالقول في اتصال معه: “نعم يمكننا الاشارة الى ان ثمة ثغرة صغيرة برزت في جدار التأليف اخيرا ونحن بصدد العمل على الاستفادة منها والبناء عليها بغية استئناف ما بدأناه قبل ايام قليلة عسى ان نعيد تحريك المياه الراكدة ونحيي الآمال ونبدّد موجة التشاؤم الفارضة نفسها على المشهد السياسي”.
إنها باختصار نذر أمل أطلت برأسها وقد كسرت الى حد ما رتابة الجمود والتعقيد الذي فرض نفسه في اعقاب “المطلب العوني” المفاجىء بضرورة استبدال كل الوزراء المسيحيين المحسوبين من حصة الرئاسة الاولى والتيار العوني بذريعة انهم سقطوا في التجربة ورسبوا في الامتحان وانتقلوا الى التغريد في فضاءات أخرى.
لم يعد خافياً ان الرئيس المكلف مسنداً ظهره بطبيعة الحال الى جدار رئيس مجلس النواب نبيه بري، لم يستمهل لبعض الوقت بهدف التفكير في النظر بالعرض العوني، فقد تعاطى فوراً معه بالرفض كما تعاطى مع العرض الاول الشهير والقاضي بإضافة 6 وزراء دولة من قماشة السياسيين الى الحكومة الحالية (حكومة الـ 24 وزيرا)، اذ انه ابلغ الى من يعنيهم الامر ان الرد جاهز ومحسوم سلفا ويتمحور حول امرين:
– ان التجاوب مع مسألتي الاضافة أو التبديل بهذا الشكل والحجم معناه إخلال بالتوازنات والحسابات الدقيقة التي قامت عليها هذه الحكومة (تصريف الاعمال) التي ارتضى الكل فكرة تعويمها مع بعض التعديلات.
– ان هامش التبديل المقبول منه (ميقاتي) هو ان تبادر كل طائفة من الطوائف الاساسية الى ابدال وزير من وزرائها بحيث يكون العدد الاقصى المسموح به ما بين 4 و6 وزراء. وقد تداولت الاوساط السياسية والاعلامية في حينه اسماء المبعدين والمرشحين للحلول محلهم.
بعد رفض ميقاتي العرض الثاني الذي ابلغه عون إياه يوم لقائه به للتشاور بعرض الترسيم البحري الأخير، اي خلال الاسبوع المنصرم، خيّمت اجواء الجمود على مسار التأليف وبدا كأنه سُحب من التداول نهائياً، أو كأن الكل قد اقتنع بان حكومة تصريف الاعمال هي التي ستعمّر ولو رجحت كفة الشغور الرئاسي المرتقب.
وفيما لاذ الرئيس ميقاتي بالصمت ومضى “التيار الوطني الحر” في خطابه التصعيدي مقروناً بالتلويح بخيارات اللجوء الى خطوات سلبية في الشارع وغير الشارع اذا ما بقيت حكومة تصريف الاعمال على حالها، بدا “حزب الله” وحده صاحب الدعوة اليومية الملحاحة الى ايجاد حكومة جديدة مكتملة الصلاحيات وحائزة ثقة المجلس النيابي الحالي. وقد صارت هذه الدعوة لازمة في كل اطلالات قيادييه وفي مقدمهم الامين العام السيد حسن نصرالله.
ثمة كما يتضح وجهان لهذا الالحاح: الاول مباح ومكشوف وينطلق من الموقف الوارد اخيرا على لسان رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد عندما قال بانه في حال وقوع الشغور الرئاسي “ثمة ضرورة لحكومة تأخذ القرارات وتمارس صلاحيات الرئاسة الأولى”.
ومن شأن وجود مثل هذه الحكومة، يضيف رعد “قفل ثغرة الخلاف والسجال حول امكان ان تتصرف حكومة تصريف الاعمال بصلاحيات رئاسة الجمهورية”.
وهو نقاش، وفق رعد، بدأ ينفتح ويتضح منذ فترة وسيتضاعف ويتكثف عندما يصير الفراغ الدستوري (الرئاسة) أمراً واقعاً.
ويخلص احد الاعضاء القادة في شورى القرار في الحزب الى تعميم استنتاج فحواه ان هذا الكلام “منطق عاقل لا يهدف الى تأجيل انتخاب الرئيس انما يهدف احتياطا الى تلافي ثغر قد نواجهها اذا شغر لسبب من الاسباب موقع الرئاسة”.
أما الوجه الثاني المسكوت عنه فهو عبارة عن قناعة فحواها انه لا يمكن للمولجين أمر التأليف ان يمددوا العمل بحكومة تصريف الاعمال الحالية لألف سبب وسبب، وبالتالي ليس امامهم إلا الإقدام في نهاية المطاف على اصدار مراسيم حكومة مكتملة الصلاحيات “إلا اذا كان في نيتهم تمديد مفاعيل الانهيار السياسي مرفقا بالانهيار المالي والاقتصادي القابض على عنق الوضع ال#لبناني وتلك طامة كبرى واستهتار لا مثيل له”.
وفي قراءة الحزب الضمنية للاشتباك الحاصل على ضفاف التأليف ان حليفه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل انطلق في رحلة شاقة للتخفيف من “خسائر” التجربة غير الموفقة للوزراء الذين اختارهم عندما تألفت حكومة ميقاتي الحالية. ومشكلته في هذا ان الشركاء في التجربة لن يسمحوا له بتحسين شروطه وتعزيز اوراقه في المرحلة المقبلة وهم الذين حاربوه بلا هوادة طوال الاعوام الستة المنصرمة.
ومع ذلك، فان ثمة من رأى ان اصرار الحزب على حكومة مكتملة الصلاحيات له هدف آخر في ذمّة الحزب، وهو متأتٍ من ان الحزب كما سواه من القوى السياسية المشاركة في الحكم لا يعرف بالضبط الحدود الزمنية للحكومة الحالية بتوازناتها المتحولة في ادارة شؤون البلاد والعباد في ظل الشغور الرئاسي الذي يبدو محتوما الى الآن.
والحزب في هذه الحال يقيم على خشية ضمنية من “شطحات” غير مأمونة للرئيس ميقاتي على غرار “الشطحات” التي أقدم عليها بالتنسيق مع وزير الخارجية عبدالله بوحبيب. ولاريب ان في الكواليس ما يثبت ان ثمة نوعاً من التناغم وتدوير الزوايا بين ميقاتي والحزب ادى الى تجاوز تداعيات “الشطحات” السابقة، إلا ان الحزب يخشى دوما “المفاجآت” ويتحسب لها، خصوصا انه يرفع دوما شعار “لا نريد ان نلدغ من الجحر مرتين”، في اشارة الى الاعوام الثلاثة الاخيرة من عهد الرئيس ميشال سليمان، وهي وإن كانت لم تغير واقع الحال فانها تمثل “طابور ازعاج” له لا يريد ان يتكرر اطلاقا.