خاص الهديل:
يستمر جبران باسيل “مصطحباً” معه التيار الوطني الحر، بجولاته على الكتل السياسية اللبنانية من أجل اطلاعهم على ورقة أولويات التيار البرتقالي الرئاسية.
ويفعل باسيل ذلك، رغم ادراكه العميق بأن أحداً من زعماء القوى السياسية الذين يزورهم، لن يقرأ حرفاً واحداً من ورقة الأولويات الرئاسية التي يقدمها باسيل لهم خلال زيارتهم .. فزعماء أحزاب الطوائف واللعبة السياسية اللبنانية، يحفظون باسيل عن ظهر قلب، ويعرفون ما هي أولوياته الحقيقية، وبالتالي فهم ليسوا بحاجة إلى ورقة أولويات يقدمها لهم باسيل تحت عنوان انها اولوياته المكتوبة على ورق التيار الوطني الحر الرسمية..
واضح ان باسيل يحاول حجز مكان له داخل النادي السياسي في البلد، الذي قد يذهب اعضاؤه لاهماله، وربما إلى مقاطعته، في مرحلة ما بعد ٣١ تشرين أول، موعد مغادرة الرئيس عون قصر بعبدا..
إن مشكلة باسيل بعد ٣١ تشرين أول، تتمثل أولاً بأنه سيخرج من قصر بعبدا، أي من السلطة، وثانياً بأنه سيدخل مرحلة فقدان الغطاء السياسي الرسمي الداخلي له (أي غطاء الرئاسة الأولى)، وانه ثالثاً ليس مضمونا أن يتعهد له حزب الله بالحماية السياسية.
وكل ذلك سيحدث في وقت ان باسيل محاصر بالعقوبات الأميركية التي تجعل كل حركته الدولية تساوي صفراً ..
ويجب الاعتراف هنا أن باسيل يحاول بمثابرة لافتة تفكيك كل هذه القيود التي تكبله، ولكنه حتى الآن فهو يصطدم بحائط النهاية الصد..
حاول باسيل الحصول من أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله على “وعد صادق” بترشيحه لرئاسة الجمهورية، لكن نصر الله لم يرغب على ما يبدو، بتكرار تجربة عون؛ أي أنه لا يرغب أو بات يتحاشى أن يأتي برئيس من محوره، أو أن يأتي برئيس يطلق عليه المجتمع الدولي “فخامة رئيس حزب الله “، لأن رئيساً للجمهورية له صفة حزب الله، سيحاصره الاميركيون، وهكذا ستصبح عقوبات واشنطن المفروضة على حزب الله، هي عقوبات مفروضة على كل لبنان، تماماً كما هو حاصل اليوم في ظل عهد عون.
لقد أيقن حزب الله بعد فوات الوقت، أنه من الأفضل له ان يكون رئيس الجمهورية “بعيداً سياسياً عنه” ، وليس “معادياً سياسياً له”. وعليه يبحث حزب الله اليوم عن “رئيس تسوية” لا يتجاهل خطوط الحزب الحمر، ولا يقطع علاقة الدولة اللبنانية مع المجتمع الدولي، وبخاصة مع أميركا، ولا يعتبره الداخل والخارج رئيس جمهورية حزب الله، بل رئيس جمهورية كل الدولة اللبنانية.
إن جانباً من مأساة جبران باسيل تكمن في أنه لم يعد قادراً لا داخلياً ولا خارجياً على مبادلة الحزب بالغطاء السياسي المسيحي له، مقابل دعم حارة حريك مشروعه الرئاسي. كما أنه يقف اليوم على محطة سياسية فاتها القطار الأميركي، فيما كل القطارات الدولية الأخرى، بما فيها القطار الفرنسي؛ أصبحت مقصوراته ممتلئة بالكامل بسياسيين موارنة وغير موارنة، جلسوا فيها ، ولم يعد لباسيل مكاناً له بداخلها حتى “ولو واقفاً”.
أضف أن باسيل سيجد صعوبة ترقى لدرجة المستحيل، فيما لو هو ظن أنه يستطيع أن يرث حلم عون لدى المسيحيين العونيين.. ربما يستطيع باسيل أن يرث عون سياسياً ولكنه لن يستطع بوضعه الحالي أن يرث صورة عون في عيون من تبقى من العونيين في المجتمع المسيحي.. وربما يحدث العكس، بمعنى ان الكثير من عاشقي الجنرال (ميشال عون)، سيجدون انه يجب الثأر من باسيل لأنه خرب الحلم العوني وأفسد “عهد عون” و”صورة عون” ..
إن سجن باسيل السياسي ليس له سوى مخرج واحد وهو ان يجري باسيل مراجعة قاسية لفشل تجربته واحلامه كما مارسها خلال السنوات الماضية.. وبختام هذه المراجعة – فيما لو كانت صادقة – سيستنتج باسيل ان الخلل لا يكمن في “مسألة أن الآخرين لم يسمحوا له بعمل الصواب” ، بل يكمن في أنه لم يفعل الصواب، نتيجة سوء صادم في حسن التقدير ..